تحليل: الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف
تأتى التوقعات بزيادة حدة الإتهامات المتبادلة بين الجانبين الأمريكى والصينى بعد حرب أوكرانيا عن مسئولية كل منهما عن إشعال حدة التوترات الإقليمية والدولية، خاصةً بعد (توجيه إتهامات من قبل الصين ضد كافة الأنشطة البيولوجية العسكرية الأمريكية فى أوكرانيا، والتى أعلنتها روسيا خلال حربها ضد أوكرانيا، والتى تفتقر إلى الشفافية الأمريكية، وذلك بعد كشف الدفاع الروسية عن حقائق جديدة تتعلق بالأنشطة البيولوجية الأمريكية فى أوكرانيا)، وهو الأمر الذى أعلنته وزارة الخارجية الصينية رسمياً، بإصدار بيانات رسمية صينية حول إفتقار تلك الأنشطة البيولوجية العسكرية الأمريكية إلى الشفافية، فضلاً عن أنها تنطوى على مخاطر أمنية عالمية لا يمكن تجاهلها، وذلك بعد قضية “التسييس الأمريكى المتعمد لجائحة كورونا فى الصين “كوفيد-١٩” وتبادل الإتهامات بين الطرفين.
وفى ذات الإطار، نجد هنالك إصرار صينى على توجيه إتهامات عالمية ضد الولايات المتحدة الأمريكية للتخفيف من الضغط الأمريكى والعالمى فى مواجهة روسيا بعد حربها ضد أوكرانيا، عبر التأكيد الرسمى الصينى، حول التخوفات الصينية وحشدها للمجتمع الدولى، بشأن التساؤلات حول (هدف الأبحاث الأمريكية التى تتم فى المختبرات البيولوجية فى أوكرانيا، وبشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بأبحاث خطيرة، ممنوعة داخلها، فى منشآتها خارج البلاد)، وهو ما شنت بشأنه وسائل الإعلام الصينية الرسمية والصحف الرسمية التابعة للحزب الشيوعى الصينى حملات صحفية وإعلامية كبرى، بشأن عدم إمكانية إلتزام الصمت من قبل واشنطن أو المراوغة وإنكار هذا الأمر، مع التأكيد الرسمى والإعلامى الصينى بضرورة (إثبات الجانب الأمريكى لبراءته أو التنصل والتهرب من مسئوليته الدولية، من خلال السماح للمجتمع الدولى بالفحص الدولى والتفتيش لكافة تلك المختبرات البيولوجية فى أوكرانيا)، والتى إكتشفتها وزارة الدفاع الروسية، ومطالبة الصين بفتح تحقيق عالمى عاجل ضد الصين.
وزادت حدة التوترات والإتهامات الصينية بعد إكتشاف روسيا لتلك المختبرات البيولوجية الأمريكية فى أوكرانيا، ووجهت وسائل الإعلام الصينية الرسمية والصحف الرسمية فى الصين لعدة إتهامات فى مواجهة واشنطن، وتحديداً إلى (صندوق الإستثمار الخاص بنجل الرئيس الأمريكى “هنتر بايدن”، كمشارك رئيسى فى تمويل برنامج وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” البيولوجى العسكرى فى أوكرانيا). مع التأكيد الرسمى الصينى، بأن هذا الصندوق التابع لنجل الرئيس الأمريكى “جو بايدن” قدم موارد مالية كبيرة لا تقل عن مليارى ونصف دولار لعمل تلك المختبرات البيولوجية العسكرية الأمريكية فى أوكرانيا. مع تأكيدات صينية بضرورة وجود (علاقة وثيقة بين صندوق الإستثمار التابع إلى “هنتر جو بايدن”، والشركات الأمريكية الأخرى التابعة للمقاولين الرئيسيين للإدارة العسكرية الأمريكية، بمثابة المورد الرئيسى للمعدات الخاصة بكافة المختبرات البيولوجية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” حول العالم)، والتى تعد شركة “ميتا بيوتا” من أبرزها، والتى تعد إلى جانب شركة “بلاك آند فيتش”.
Metabiota & Black and Veach
ونلاحظ هنا فرض عقوبات عسكرية وربما للمرة الأولى من قبل الولايات المتحدة الأمريكية فى سبتمبر ٢٠١٨، على شركة (إدارة تطوير المعدات فى وزارة الدفاع الصينية، وهى وحدة رئيسية فى الجيش الصينى)، وذلك بعد شرائها مقاتلات (سوخوى-٣٥ وصواريخ إس-٤٠٠ أرض جو) من روسيا. وتأتى هذه العقوبات التى تستهدف روسيا عسكرياً فى المقام الأول فى إطار الإجراءات التى تتخذها واشنطن للحد من الأنشطة العسكرية التعاونية التى تقوم بها موسكو مع بكين بالأساس.
والأبرز عندى، هو فرض الولايات المتحدة الأمريكية لعقوبات ضد عدد من المسؤولين الصينيين، بعد عدة أيام من المحادثات التى تمت عبر الفيديو بين الرئيس الأمريكى “جو بايدن”، ونظيره الصينى “شى جين بينغ” فى ١٨ مارس ٢٠٢٢، بهدف الحصول على ضمانات من بكين بعدم تقديم يد العون إلى روسيا فى حربها ضد أوكرانيا، ولكن المفارقة هى أنه بعد ذلك جاء الإعلان الأمريكى بفرض حزمة عقوبات على عدد من المسؤولين الصينيين.
وبغض النظر عن الأسباب التى ساقتها واشنطن لتبرير فرضها عقوبات على مسؤولين صينيين، فإن توقيتها يمكن تحليله بأن الرئيس الأمريكى “جو بايدن” فشل فى الوصول إلى حل أو ضمانات من نظيره الصينى “شى جين بينغ” بشأن ما كان يرغب فيه بشأن روسيا، مما سيدفع الولايات المتحدة الأمريكية لإخراج أوراق ضغط فى ملفات عديدة ضد بكين.
والتى تعد أبرزها ملفات حقوق الإنسان فى الصين وهى المتعلقة بالأقليات الدينية والعرقية، فى إقليم “شينغيانغ”.
وجاء تأكيد وزير الخارجية الأمريكى “أنتونى بلينكن” فى ٢١ مارس ٢٠٢٢، بفرض الولايات المتحدة الأمريكية لعدة (قيود على التأشيرات الخاصة بعدد من المسؤولين الصينيين)، والذين تتهمهم واشنطن بإنتهاج (سياسات لقمع الأقليات الدينية والعرقية وإنتهاك حقوق عدد من المعارضين والنشطاء الحقوقيين والصحفيين فى الصين).
ونجد أنه فى نفس اليوم الذى عقد فيه الرئيسان الأمريكى والصينى محادثاتهما الإفتراضية عبر الفيديو فى ١٨ مارس ٢٠٢٢، إتهمت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة “ليندا توماس غرينفيلد” الجانب الصينى بإنتهاكه حقوق أقلية الإيغور المسلمة فى الصين، فضلاً عن حقوق الإنسان الأخرى فى ملفات أخرى عديدة.
وتعتبر الصين أن العقوبات الغربية على روسيا من شأنها الإضرار بإقتصاد الكثير من البلدان حول العالم، مما يتسبب فى إرتفاع أسعار الوقود والغذاء عالمياً ويضر ببلدان عديدة.
ونلاحظ توجيه كافة الصحف الرسمية الصينية التابعة للحزب الشيوعى الحاكم فى الصين لإنتقادات شديدة اللهجة للولايات المتحدة الأمريكية والغرب بسبب سياسة العقوبات ضد روسيا، وإتهام واشنطن والقوى الغربية بالتسبب فى تلك الحرب، وهو ما أكدته صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية عن نائب وزير الخارجية الصينى “لى يو تشينغ” خلال منتدى أمنى فى بكين، بأن:
“السبب الجذرى للأزمة فى أوكرانيا يكمن فى عقلية الحرب الباردة وسياسة القوة لدى الغرب، وأنه كان من الممكن أن يؤدى إلتزام “حلف الناتو” بعدم التوسع بإتجاه الشرق إلى عدم تفاقم الأزمة، فهنا يكمن السبب الجذرى لأزمة أوكرانيا الحالية فى عقلية الحرب الباردة وسياسة القوة لدى واشنطن والغرب، لذلك من المؤسف إستخدام الدول الصغيرة كبيادق لإشعال الحرب”
كما جاءت أبرز إنتقادات نائب وزير الخارجية الصينى “لى يو تشينغ” كعناوين رئيسية فى إفتتاحيات كبرى الصحف الرسمية الصينية إعتراضاً على سياسات التدخلات الأمريكية وحلفاؤها فى حلف الناتو فى الشؤون الداخلية للدول، بإبراز تصريحاته، حول:
“بما أن حلف شمال الأطلسي قد وعد بأنه لن يتحرك شبراً واحداً بإتجاه الشرق، فلا ينبغى له أن يتنكر لوعوده بينما يستمر فى الدفع شرقاً، لأن مثل هذا السعى لتحقيق الأمن المطلق يؤدى في الواقع إلى إنعدام الأمن المطلق، كما أن محاصرة دولة كبرى كروسيا، والتى تعد كقوة نووية حقيقية، سيترتب عليه تداعيات خطيرة، وهنا كان من الممكن أن يؤدى إلتزام الناتو بعدم التوسع بإتجاه الشرق فى أوكرانيا إلى إنهاء الأزمة منذ بدايتها”
وفيما يتعلق بالعقوبات الغربية الحالية على روسيا، أكدت وسائل الإعلام الصينية الرسمية، بأن:
“الصين عارضت دائما العقوبات أحادية الجانب التي لا أساس لها فى القانون الدولي، لقد أظهر التاريخ مراراً وتكراراً، بأن فرض العقوبات يشبه إطفاء النار بالحطب ولن يؤدى إلا إلى تفاقم الأمور، فالعقوبات المفروضة على روسيا تصل الآن إلى مدى بعيد بحيث يتم إستخدام العولمة كسلاح، حتى الأشخاص من المجتمعات الرياضية والثقافية والفنية والترفيهية لم يتم إعفاؤهم، ويتم فرض عقوبات على القطط والأشجار، وتم الإستيلاء على الأصول الخارجية للمواطنين الروس وهو أمر لا أساس له”
وإتهمت الصين الولايات المتحدة الأمريكية وكافة البلدان الغربية بإزدواجية المعايير، حيث (إستثنت الدول الأوروبية صادرات النفط والغاز الروسية من العقوبات حتى لا تضر بإقتصادها).
وتكمن الخطورة وفقاً لمراكز الفكر الصينية، بأن نظام العقوبات غير المسبوق الذي فرضته واشنطن وتهديداتها بمعاقبة الحكومات التي ينظر إليها على أنها تساعد روسيا، يمكن أن “يحفز الانقسام الجزئى للعالم إلى كتلتين إقتصاديتين، وهو ما يعد تطوراً مهماً وخطيراً من شأنه أن يعمل فى نهاية المطاف على إضعاف الغرب مع تشجيع منافسيه”. لذلك نجد بأن موقف الصين مهم جداً ويجب على الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الإلتفات لوجهة نظر بكين والإستماع لها وتحليلها بشكل جيد.
وبذلك نفهم الموقف الصينى المؤيد للتصريحات الرسمية الروسية، وذلك عبر بياناتها ووسائل إعلامها الرسمية، فضلاً عن (رفض الصين وصف تلك الحرب الدائرة فى أوكرانيا بالغزو، حيث تعتبرها الصين مجرد مواجهات، مع تحذير الصين من أى شكل من أشكال العقوبات الواسعة والعشوائية على روسيا، حتى لا يشل ذلك الإقتصاد العالمى المتعثر بالفعل، ويتسبب فى خسائر لا يمكن تعويضها). فهنا، تخشى الصين من أن يؤدى التوسع فى العقوبات الغربية ضد روسيا أن تطالها بشكل مباشر أو غير مباشر، خاصةً وأن الإقتصاد العالمى لم يتعاف بشكل كامل من آثار جائحة كورونا.