بدأت مصر تتخلص شيئا فشيئا من أزمتها الاقتصادية وجني ثمار حزمة الإصلاحات الأخيرة التي قام بها البنك المركزي داخل سوق الصرف عبرتحرير سعر الصف وفقا لأليات العرض والطلب “تعويم الجنية المصري” ما كان له دورا مهما في تقويض حركة السوق الموازية للعملة الأجنبية “الدولار“.
وكان من بين المكاسب التي نتجت عن قرارات “المركزي”ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج، وذلك بعد انهيار السوق الموازية، التي طالما التهمت الحجم الأكبر من أموال المصريين في الخارج بعيدا عن القطاع المصرفي الرسمي.
تحويلات المصريين بالخارج
وتعد تحويلات المصريين بالخارج مصدراً أساسياً تعتمد عليه الحكومة ضمن المصادر الرئيسية لتوفير النقد الأجنبي، إلى جانب قناة السويس والإيرادات السياحية والصادرات.
وقال رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، الأربعاء، إن تحويلات المصريين بالخارج عادت “تدريجيا إلى معدلاتها خاصة في ظل انحسار السوق الموازية، وعدم وجود فارق بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازية”.
كما نقلت وكالة “رويترز” عن مصرفيين ومسؤولين، الأربعاء، أن تحويلات العاملين بالخارج إلى القطاع المصرفي ارتفعت منذ القرار الأخير بتحرير سعر الصرف، حيث وصلت إلى مستوى 50 جنيها للدولار، بعدما استقرت لنحو عام عند مستوى 31 جنيها للدولار، ما أنعش السوق الموازية التي وصل فيها سعر الدولار إلى حوالي 70 جنيها في وقت سابق هذا العام.
قال رئيس بنك مصر، محمد الإتربي، إن تحويلات المصريين زادت 10 أضعاف، مؤكدا تلبية جميع قوائم انتظار العملة الصعبة.
وأكد رئيس بنك مصر، في تصريحات نشرتها إكسترا نيوز على حسابها الرسمي بموقع “فيسبوك”، أن هناك تغييرا جذريا في نظرة المستثمرين والمؤسسات الأجنبية للسوق المصرية بعد تعديل وكالة موديز نظرتها المستقبلية لمصر.
وكشف الإتربي عن ارتفاع حصيلة التنازل عن الدولار من جانب المواطنين 20 مرة لدى شركة الصرافة التابعة لبنك مصر، مشيرا إلى أن هناك إقبالا كثيفا من المستثمرين الأجانب على بيع الدولار بالبنوك لشراء أذون الخزانة المصرية.
كما أكد أن إجراءات البنك المركزي أسفرت عن حدوث استقرار كبير في سوق النقد الأجنبي وتغيير كبير في نظرة المؤسسات الدولية للاقتصاد المصري، مشددا على أن حصيلة التدفقات القوية من النقد الأجنبي ساهمت في تحسن قيمة الجنيه أمام الدولار على مدار الأيام الماضية.
ولم يقدم رئيس الوزراء أو المصرفيون الذين تحدثت معهم “رويترز” بيانات محددة حول حجم زيادة التحويلات.
وكان أداء ميزان المدفوعات أظهر خلال الربع الأول من العام المالي الجاري 2023- 2024 تراجعا في تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 29.9% على أساس سنوي مقارنة بنفس الربع من العام المالي السابق.
قرارات البنك المركزي الأخيرة
وبحسب ميزان المدفوعات المنشور على موقع البنك المركزي، يناير الماضي، انخفضت تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال الربع الأول من العام المالي الجاري لتقتصر على نحو 4.5 مليار دولار مقارنة بنحو 6.4 مليار دولار مقارنة بنفس الربع من العام المالي السابق.
وبدأت تحويلات المصريين العاملين تسجل تراجعا خلال العام قبل الماضي 2022 مع بدء زيادة تعاملات السوق الموازية لتجارة العملة واتساع فجوة سعر الدولار بين البنوك والسوق غير الرسمية بسبب شح الدولار في البنوك على أثر خروج 22 مليار دولار استثمارات غير مباشرة خلال النصف الأول في 2022 بسبب التبعات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية.
كان نائب رئيس الاتحاد العام للمصريين بالخارج في المملكة العربية السعودية، عادل حنفي، أكد أن قرارات البنك المركزي الأخيرة تزيد من عودة تدفقات تحويلات المصريين في الخارج من العملات الأجنبية .
وقال حنفي – خلال تصريحات لـ”صدى البلد”، إن قرارات البنك المركزي، ستقضي على السوق الموازية للدولار “السوق السوداء”، التي شهدت ارتفاعا كبيرا في سعر العملة الأجنبية مقابل الجنيه المصري، مشددا: تحرير سعر الصرف سوف يساهم في ضخ المصريين بالخارج لمزيد من التحويلات من العملات الأجنبية ما يؤدي إلى زيادة حجم الاحتياطي النقدي والأجنبي داخل البنك المركزي.
وأوضح أن قرارات البنك المركزي الأخيرة بتحرير سعر الصرف تتسق مع متطلبات المرحلة الحالية ومطالبات المؤسسات المالية العالمية، لا سيما وأن تحرير سعر الصرف كان مطلبا أساسيا لصندوق النقد الدولي؛ لصرف دفعات القرض المتأخرة، وكذلك زيادة قيمة القرض للدولة المصرية إلى 8 مليارات دولار أو أكثر، مشددا في ختام تصريحاته على أن تحسن التصنيف الائتماني لمصر، سوف يساهم بشكل كبير في زيادة الاستثمارات الأجنبية.
وضع البنك المركزي المصري حدا للتداعيات الاقتصادية القاسية التي تعيشها البلاد بسبب نقص السيولة الدولارية، والتراجع الكبير في المنافسة بين العملة المحلية “الجنيه المصري” والعملة الأجنبية “الدولار” خاصة في السوق الموازية “وصل سعر الأخير إلى 71 جنيها ببعض المناطق وبحسب الطلب؛ ما ترتب عليه أضرار هائلة على الأوضاع الاقتصادية”، وذلك بتحرير سعر الصرف.
تعويم الجنيه المصري مستقبلا
واتخذت لجنة السياسات النقدية داخل البنك المركزي، خلال “اجتماع طارئ لها”، عدة قرارات؛ شملت رفع قيمة الفائدة على القروض والمدخرات بنسبة 6 %، ورفع القيود عن استخدام البطاقات الائتمانية بالعملة الأجنبية، بالإضافة إلى تحريك سعر صرف الجنيه.
وأصدرت لجنة السياسة النقدية بيانا، أكدت فيه “رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 600 نقطة أساس، ليصل إلى 27.25%، 28.25% و27.75%، على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 600 نقطة أساس ليصل إلى 27.75%”.
من جهتها استبعدت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، الخميس، حدوث مزيد من التخفيضات في قيمة الجنيه في المدى القريب وخلال العام الجاري، مشيرةً إلى أنه من المتوقع أن تتحسن سيولة العملات الأجنبية في القطاع المصرفي المصري بشكل ملحوظ بعد صفقة مصر مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار.
وقالت الوكالة في تقرير نقلته وكالة “رويترز” إنه يجب أن تكون هذه التطورات محايدة بالنسبة لتصنيفات البنوك المصرية.
وأشارت إلى أن مصر ستتلقى تدفقات كبيرة من التمويل الجديد خلال الأشهر القليلة المقبلة من حزمة الاستثمار الأجنبي المباشر الإماراتية والالتزامات اللاحقة من صندوق النقد الدولي والشركاء متعددي الأطراف والثنائيين الآخرين.
ورجحت الوكالة أن صافي الالتزامات الأجنبية للقطاع المصرفي البالغ 17.6 مليار دولار أمريكي في نهاية يناير 2024 يمثل المستوى الأدنى، وأن الالتزامات سوف تنخفض بشكل كبير في عام 2024.
ونقل بيان لمجلس الوزراء، عن محافظ البنك المركزي، حسن عبد الله، قوله إن “الطلب على الدولار بدأ في التراجع بسبب المعروض الذي يوفره البنك”.
وقال البيان، الصادر الخميس: “الطلب على الدولار، وفقا لما أكده محافظ البنك المركزي، بدأ في الانخفاض في ظل الإتاحة الواسعة التي أتاحها البنك”.