اختتمت فعاليات الملتقى السنوي الأول لمراكز الفكر في الدول العربية، والذي انطلق تحت شعار” بالفكر نحقق التنمية المستدامة” على مدار يومي 19-20 ديسمبر 2023، بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة.
وشارك مركز العرب للأبحاث والدراسات في فعاليات الملتقى، حيث تقدم بورقة بحثية عن التحديات التي تواجه مراكز الفكر والدراسات على المستوى العربي، مفندا أبرز المعوقات التي تواجه المؤسسات الفكرية والتي يأتي في مقدمتها التمويل وغياب المؤسسية لدى كثير من المراكز وعدم توافر البيئة الداعمة للإبداع.
وثمن محمد فتحي الشريف رئيس المركز، المبادرة التي أطلقتها جامعة الدول العربية لجمع مراكز الفكر العربية معا على طاولة واحدة، للتعاون وتبادل الأفكار حول القضايا التي تشغل هذه المنطقة المهمة من العالم.
وقال الشريف إن الفكر هو محور التنمية الأول، وبدونه لا يوجد تنمية، بل يمكن أن تكون مجرد اجتهادات، لأن الفكر والتخطيط والرؤى هو اللبنة الأولى في أي تنمية مستدامة ناجحة، لافتا إلى أن المنتدى يعزز فرص تحقيق التنمية المستدامة التي ننشدها جميعًا في الدول العربية.
واستعرض الشريف جهود مركز العرب الفكرية والبحثية بمداخلة بعنوان «التحديات والمعوقات التي تواجه مراكز الفكر العربية- رؤية تحليلة»، مشيرا إلى أن أبرز التحديات تتمثل في غياب التعاون بين المركز الفكرية وجهات التنفيذ الحكومية، وندرة المعلومات بالإضافة إلى التحديات المالية.
وأكد أن مراكز الفكر العربية يجب أن تتخذ خطا فكريا واضحا لمواجهة هذه التحديات معا، عبر التعاون والتواصل فيما بينها، لبناء قاعدة فكرية عربية يمكن أن يرتكن إليها صانع القرار العربي، مع ضرورة تبادل الخبرات بين الجميع لمواجهة المعوقات معا.
وأوضح أن مركز العرب للأبحاث والدراسات (2030)، هو فكرة تهدف إلى فهم وقراءة واقع وطننا العربي، من خلال تحليل المعلومات بشكل علمي وبحثي، وتقديم معالجات لأبرز المشاكل التي تواجه مجتمعاتنا العربية.. شعارنا (ثقافة – فكر – تنوير ).
وأشار إلى أن المركز يركز على عدد من المحاور أهمها: “المشاركة في دعم وتطوير العلاقات العربية، دراسة التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تحليل مستقبل العلاقات العربية في مجال السياسة والاقتصاد، عرض وتحليل خطط التنمية في الوطن العربي وفق رؤية (2030)”.
خطابي يفتتح الملتقى
وفي بداية الملتقى تحدث السفير أحمد رشيد خطابي الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية رئيس قطاع الإعلام والاتصال، مؤكدا أن التحديات الجسام التي تواجهها المنطقة العربية تحتاج إلى تضافر الجهود من قبل النخب الفكرية، كما تطرح الحاجة الملحة لصياغة مشروع فكري شامل وجريء ومنفتح على حقائق العصر والحداثة بما يؤهل منطقتنا العربية بما حباها الله من خيرات ومقدرات بشرية وطبيعية.
التميمي يدير الملتقى باقتدار
ومن جانبه، قال الوزير مفوض علاء التميمي مدير إدارة البحوث والدراسات الاستراتيجية بقطاع الإعلام والاتصال بجامعة الدول العربية، إن انعقاد الملتقى يأتي انطلاقاً من إعلان جدة الصادرة عن مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في الدورة العادية 32، والمتضمن: “مبادرة إنشاء حاوية فكرية للبحوث والدراسات، والتي من شأنها احتضان التوجهات والأفكار الجديدة لتعزيز الاهتمام العربي المشترك ومتعدد الأطراف بالتعاون البحثي وإبرام شراكات استراتيجية”.
وأضاف “التميمي” الذي أدار جلسات الملتقى أن ما تمثله مراكز الفكر العربية من أهمية كبرى للباحثين والمتخصصين، إضافة إلى أهمية مخرجات هذه المراكز في دعم متخذي القرار بالرؤى والاقتراحات الآنية والمستقبلية القائمة على الدراسات الاستشرافية المعتمدة على الرصد والتحليل الدقيقين للواقع القائم بكل مكوناته، مشيرا إلى أن تجمع مراكز الفكر في الدول العربية في تعاون بحثي مشترك يستقرئ الواقع، ويدرس الظواهر التي تحتاج إلى الدرس، ويستشرف المستقبل، وعلى وجه الخصوص دور تلك المراكز في دعم أهداف التنمية المستدامة، إذ إن ذلك هو بداية الصياغة الحقيقية للمستقبل المرجو.
وناقش الملتقى في جلسته الأولى العديد من المحاور منها؛ عرض تقرير جهود الدول العربية في مجال التنمية المستدامة، وما تم تنفيذه استجابة لخطط التنمية 2023، وما يواجه مراكز الفكر العربية من تحديات وصعوبات، وما تتطلبه من احتياجات وترتيب أولوية، وخطط وبرامج ومشروعات بحثية واستشراف المستقبل نحو وضع المعالجات لها، بما يسهم في تعزيز التعاون العربي المشترك في المجال البحثي.
كما تم مناقشة محور يتعلق بطرح رؤى مستقبلية تسهم في تفعيل دور مراكز الفكر العربية في دعم العلم البحثي العربي المشترك من خلال تحديد الأدوار المنوطة به، وبيان التحديات التي تواجهها في تحقيق البرامج والمشروعات البحثية المشتركة لتعزيز التعاون الإقليمي ؛ ومحور يتعلق بوضع مجموعة من الآليات بهدف محاكاة واقعنا الحالي والتنبؤ بالمستقبل وتعزيز وعي الرأي العام العربي، وتقديم رؤى وأفكار مشتركة لتعزيز الاهتمام العربي المشترك ومتعدد الأطراف بالتعاون البحثي وإبرام شراكات استراتيجية.
أما المحور الأخير فيتعلق بعرض التجارب الناجعة لمراكز الفكر العربية في مجال العمل البحثي المشترك، لتحديد أنسب الوسائل للاستفادة منها لتطوير العمل البحثي العربي المشترك. وتحديد أوجه الدعم والتعاون المطلوب على المستوى العربي والدولي في هذا الصعيد، ووضع آليات متابعة لتنفيذ البرامج والمشروعات البحثية المشتركة. كما أضاف التميمي بان الأمانة العامة سوف تنظم معرض لإصدارات مراكز الفكر في الدول العربية المشاركة في أعمال الملتقى السنوي طوال مدة انعقاد الملتقى.
وفي اليوم الثاني تطرق المؤتمر لعرض تقرير جهود مراكز الفكر العربية في مجال التنمية المستدامة، وما يواجهها من تحديات وصعوبات، وما تتطلبه من احتياجات وترتيب أولوية، وخطط وبرامج ومشروعات بحثية واستشراف المستقبل نحو وضع المعالجات لها، بما يسهم في تعزيز التعاون العربي المشترك في المجال البحثي.
كما تطرق إلى طرح رؤى مستقبلية تسهم في تفعيل دور مراكز الفكر العربية في دعم العلم البحثي العربي المشترك من خلال تحديد الأدوار المنوطة به، وبيان التحديات التي تواجهها في تحقيق البرامج والمشروعات البحثية المشتركة لتعزيز التعاون الإقليمي.
وناقش الملتقى وضع مجموعة من الآليات بهدف محاكاة واقعنا الحالي والتنبؤ بالمستقبل وتعزيز وعي الرأي العام العربي، وتقديم رؤى وأفكار مشتركة لتعزيز الاهتمام العربي المشترك ومتعدد الأطراف بالتعاون البحثي وإبرام شراكات استراتيجية.
مداخلة مركز العرب
وعطفا على ما سبق ركز مركز العرب في مداخلته على التحديات والمعوقات التي تواجه مراكز الفكر العربية، مؤكدا أنه لن تتقدم دولةٌ أو تنهض دون تخطيطٍ مسبق يتمتع بالمرونة والتعاطي مع المتغيرات المتوقَّعة وغير المتوقعة، وخاصةً في ظل وجود تحدياتٍ جسيمة تتطلب من متخذي القرار أن يتحروا الصواب، وأن تكون الخطط الموضوعة مبنيةً على رؤيةٍ استشرافية صحيحة للمستقبل.
وقال المركز إن مؤسسات الفكر تعمل على دراسة التطورات التي تحدث في المجتمع بكل أشكالها العلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتضع نماذج لكيفية التعامل معها، لذا يجب أن تعمل هذه المراكز في بيئة خالية من المعوقات، أو على الأقل فيه القدر المعقول من بيئة العمل التنظيمية التي تجعلها قادرة على الاضطلاع بدورها الريادي.
معالجة المشاكل
ونبه إلى أن بعض الدول التي فعَّلت مراكز الفكر قد حققت تنميةً ونهضة واضحة للجميع، بعد أن أخذت بما تقدمه هذه المراكز، وجعلت المراكز الفكرية شريك في صنع القرار، ومستشار مؤتمن يمكن الرجوع له في الأزمات.
وأكد أنه على الرغم من وجود تحدياتٍ كثيرة ومعوقات أمام تفعيل دور مراكز الفكر والدراسات في الوطن العربي، إلا أن هناك تنامياً واضحا وملحوظ منذ بداية تسعينات القرن الماضي، إذ اتسعت دائرة نشاط ووجود تلك المراكز بشكلٍ كبير في عددٍ من الدول العربية، من حيث العدد وآليات العمل والمساهمات التي قدمت لصناع القرار، سواءً على مستوى مراكز الفكر التابعة للدولة أو مراكز الفكر التابعة للقطاع الخاص.
اختلاف الأدوار
وقال إن دور مراكز الفكر في الوطن العربي، رغم التطور الحاصل فيها، إلا أنها تختلف عن الدور الحادث في الولايات المتحدة، والدول الغربية، وذلك يرجع إلى المعوقات التي تواجهها هذه المراكز.
غياب الدور
وأضاف أن الدور الحيوي الذي يجب أن تكون عليه مراكز الفكر غائبٌ بشكلٍ كبير في بعض الدول العربية، فهي لما تمارس دورها الحقيقي في تقديم المشورة الواضحة والدراسات الرصينة لصناع القرار،… إذ أن هناك بعضاً من مراكز الفكر لا يتعدى دورها عن التواجد في وسائل الإعلام فقط، دون إنتاجٍ حقيقي يخدم صناع القرار ويحقق عملية التنمية المجتمعية بكافة أشكالها، وهذا يعود إلى عددٍ من المعوقات التي تواجهها تلك المراكز.
وتابع: “في أمريكا وحدها يوجد 2300 مركزٍ بحثيٍّ حكوميٍّ، في حين أن الوطن العربي يوجد به فقط 140 مركزٍ حكومي، وهذا دليلٌ قاطع على اهتمام الحكومات في أمريكا والغرب”.
مراكز الفكر واستمرار التقدم
وقال رئيس المركز في الكلمة التي ألقاها إن الاهتمام بمراكز الفكر جزءٌ أساسي من تنمية الدول واستمرار تقدمها، ومن المفارقات التي تؤكد تراجع اهتمامنا بمراكز الدراسات، هو الاهتمام الكبير التي تحظى به مراكز الفكر في محيط الدول العربية، ومنها مثلاً إيران، يتجاوز فيها عدد مراكز الفكر والأبحاث كل مراكز الفكر في الوطن العربي مجتمعةً، كما أن الكيان الصهيوني يأتي في مرتبةٍ متقدمة في هذا المجال أيضاً.
أبحاثٌ حقيقية
وألمح إلى أنه على الرغم من كل ذلك نجد هناك مراكز أبحاث خاصة ظهرت مؤخراً في عددٍ من الدول العربية؛ رغم مواجهة تحدياتٍ ومعوقات كثيرها، أبرزها، التمويل المالي حتى تعمل في استقلالية، إلا أنها تحاول أن تكون متواجدةً من خلال تقديم أبحاثٍ ورؤىً حقيقية لمعالجة مشاكل وأزماتٍ في الدول العربية، وتلك المراكز تحتاج إلى دعمٍ حقيقي من الدول التي تعمل في داخلها، أو مؤسساتٍ حتى تستمر وتستطيع أن تقدم أبحاثاً حقيقية.
وقال إنه عندما نتحدث على المعوقات التي تواجه تلك المراكز، لابد أن نحدد تبعية المركز، ومصادر تمويله، وجودة الأبحاث التي يقدمها، وهذا الأمر الذي لا يرتبط بحجم الإنفاق على المركز، فهناك مراكز محدودة التمويل، وقد تكون معدومة، ولكنها تقدم أبحاثاً وأفكار جيدة، ورؤى مميزة، وتقدم معالجاتٍ وحلولاً لقضايا شائكة، في إطارٍ صحيح، وعلى الرغم من عدم وجود جهاتٍ مرتبطة بها إلا أن معالجاتها تنشر بشكلٍ عام، ولذلك سوف تقتصر رؤيتنا التحليلية على المعوقات التي تواجه مراكز الفكر الخاصة التي تموَّل ذاتياً.
إنتاج مراكز الأبحاث العربية
وأوضح أنه على الرغم من أن هناك آلياتٍ لتصنيف المراكز الفكرية على مستوى العالم، إلا أن هذا التصنيف لا يعكس جودة المنتج البحثي ونوعية الأبحاث المقدمة، ولا البرامج التي تقدمها تلك المراكز البحثية، بقدر ما يعكس حجم إنتاج تلك المراكز البحثية.
ولذلك نجد أن ميزانيات البحث العلمي في الوطن العربي تحتاج إلى إعادة النظر من الحكومات.
(التحدِّيات التي تواجه مراكز الفكر)
أولاً: الجانب المالي (التمويل)
يؤثر سلباً وإيجاباً حجم الإنفاق على الجانب البحثي والفكري، فلابد أن يتوفر للباحث مناخٌ جيد حتى يستطيع إنجاز بحثه.
تقدير الباحث مالياً
ولذلك نجد أن أغلب مراكز الأبحاث العربية؛ وخاصةً المستقلة، لا تملك القدر الكافي من الإنفاق، ولذلك تتوقف عجلة البحث العلمي بها، وتظل الأفكار حبيسة الأدراج، لأن الباحث يسعى لتوفير حياةٍ كريمة له،
ثانياً: الاستقلالية
من المهم جداً أن يكون الباحث مستقلاً، وأن تمنح له الإدارة البحثية إخراج أفكاره بشكلٍ كامل دون تدخلٍ من إدارة العملية البحثية، أو فرض أفكارٍ بعينها على الباحث، فقط يتم تقديم المقترح أو المشكلة أو الأزمة، وتُترك للباحث الحرية في اختيار مَن يساعده في تنفيذ الفكرة، وآليات تنفيذها.
ثالثاً: توفُّر المعلومات الدقيقة
حتى تستطيع أن تعالج مشكلةً أو أزمة، وتضع حلولاً ومعالجاتٍ، لابد أن تكون لديك معلوماتٌ صحيحة دقيقة عن المشكلة محل البحث، وهذا هو أحد أهم أسباب نجاح الأبحاث، وتقديم معالجاتٍ حقيقية للأزمات.
رابعاً: تحديد الأهداف
من بين التحديات التي تواجه مراكز الفكر، عدم وجود أهدافٍ محددة تضعها إدارة المركز، وهذا يرجع إلى غياب المهنية في إدارة المركز.
خامساً: غياب بيئة الإبداع
في ظل عدم الاهتمام المجتمعي بالباحثين والعلماء والمبدعين، وتقديرهم مالياً وأدبياً، غاب الإبداع وعُطلت العقول العربية، ولذلك يجب على المسؤولين أن يضعوا محفزاتٍ حقيقة للإبداع والمبدعين وأصحاب الكفاءات، بالإضافة إلى ضعف حوافز الباحثين المالية.
سادساً: الشفافية
تبقي الشفافية في اختيار الكفاءات البحثية من قِبل إدارة مراكز الأبحاث، أحد أهم المعوقات التي تواجه مراكز الفكر العربي، فعدم منح المميزين فرصةً في مراكز البحث الحكومية والخاصة أحد أهم عوامل تراجع الإنتاج البحثي المميز.
وحتى نستطيع أن ننهض بالوطن العربي في كافة المجالات، لابد أن تتغير أولويات الحكومات، ويتم وضع مراكز الدراسات والأبحاث والفكر في مقدمة الاهتمام، والتركيز عليها ودعمها مالياً بشكلٍ كبير، لأن تنمية واستقرار الدول مرتهنةٌ بوضع خططٍ محكمة، بها رؤيةٌ مستقبلية مرنة تتعاطي مع الأحداث الحالية المستقبلية، وتحدد أولويات الدولة وترسم السياسات العامة للحكومة.