في الحلقة الخامسة عشرة من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”، للمفكر العربي علي محمد الشرفاء، يتحدث المؤلف عن الخطاب الإلهي وأن علينا أن نتدبّر مراد الله من آياته، حتـى لا يطغى الإنسان في حياته وهو يعيش رحلة قصيرة فيها، ولا يتكبـّر ولا يغتـرّ بما وهبه الله من سلطة وقوة وصحة ونعمة، فكل ذلك إلى زوال، وإذا تدبّر الإنسان ما سيحل به منذ ولادته، فسيتعرف على خارطة الطريق لحياته التي تساعده في مسيرته، يؤدي تكاليف العبادات ويعامل الناس بالحسنى والعدل، لا يظلم أحدًا ولا يغش إنسانًا، ولا يتجبـّر أو يتكبـّر، فيرضى بما قسم الله له، ويعيش مطمئنًا سعيدًا في حياته، يؤدي تكاليف العبادات كما بيـّنها لنا رسولنا الكريم بالجهد والإخلاص، فيتحقق له الأمن والسلامة يوم القيامة، ويكافئه الله بالجنة ونعيمها.
وإليكم الحلقة الخامسة عشرة من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”.
لقد بعثَ اللهُ سُبحانَهُ وتعالى مُحمَّدًا صلّى اللهُ عليه وسلّم ليَحملَ للناسِ كافة، كتابًا مباركًا، ليُخرجَهم من الظُلماتِ إلى النُّورِ، وليهديهَم طريقَ الخيرِ وَالصَلاحِ، إذ يخاطب سُبحانَهُ وتعالى رسولَه مُحمَّدًا صَلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ ﴿كِتَابٌ أنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أولُو الْألْبَاب﴾ (ص 29).
يخاطب الله سبحانه بهذه الآية العقل الإنساني الذي فضل به عباده على كافة مخلوقاته، وأودع فيه كل العلوم من الحكمة والمعرفة عند خلق (آدم) التي ستظل تنتقل لعقول أبنائه حتى قيام الساعة، ومنحه الإدراك على التعرف على مراد الله من آياته وتشريعاته لصالح الإنسان ولما يحقق له العيش الكريم حافظا حقوقه في كل زمان ومكان، يتحقق له وبه الأمن والسلام، وأمره بالتدبر في القرآن الكريم وآياته وما يحمله من نور للإنسانيةِ جمعاء، يستعينون به ليضـيءَ لهم طريق الخيـر والصلاح في الحياة الدنيا، فالله يريد للناس أن يتفكّروا فيما خلق الله تجلّت قدرته، ويستنتجوا بعقولهم عظمة خلقه، ويدركوا ويتدبّروا آياته وفهم مراد الله لخلقه ليتحقّق لديهم اليقينُ المطلقُ بأن الله وحده لا إله إلا هو لا شريك له ربّ السَماوات والأرض، وهو على كل شيء قدير، ليدرك الَإنسان قوله تعالى: ﴿وَلَئِن سَألْتَهُمَ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اَللَّـهَ قُلْ أفَرَأيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ إِنْ أرَادَنِيَ اللَّـهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أو أرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّـهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ (الزمر 38)، تبين لنا هذه الآية عدم اللجوء لغير الله في الضيق والضرر إذا أصاب الإنسان فليدع الله الذي يكشف عنه ضره، ووحده سبحانه سينزل على الإنسان رحماته، فالله قد قال لرسوله ﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون﴾ (البقرة 186).