في ظل ما تشهده ليبيا من إندلاع مظاهرات شعبية في مختلف أرجائها، رفضاً للوضع المعيشي المزري الذي أوصلتهم إليه الأطراف السياسية المتنازعة على الشرعية وعلى رأسها حكومة الدبيبة ونظيرتها التابعة لباشاغا، تبقى الإغلاقات النفطية مستمرة في البلاد، مع تراجع الإنتاج ونقص السيولة.
وفي حين يتفق المحتجون بالمظاهرات الغاضبة التي اندلعت ليلة الجمعة الماضية بمختلف المدن الليبية على ضرورة رحيل الجسمين التشريعيين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وكذلك حكومتي عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا، يحضر الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية سيناريو نفطي يضر بالشعب الليبي.
فقد أكد عضو مجلس الدولة، سعد بن شرادة، أنه لا يستبعد أن تتمكن الولايات المتحدة من فرض رؤيتها لإدارة الموارد النفطية في ليبيا، نظراً لما تتلقاه من دعم دولي وإقليمي.
حيث قال في تصريحاته: “أستبعد أن تتم شرعنة الأمر عبر بوابة مجلس الأمن، لأن واشنطن ستتوقع، اصطداماً مبكراً بـ(فيتو) روسي وصيني، فالأمر ليس كما يقول السفير الأمريكي ريتشارد نورلاند مجرد مقترح، قد يقبله الشعب الليبي أو يرفضه، فالجميع يرصد توافق دول أوروبية وأخرى بالمنطقة للأسف مع هذا المقترح”.
وأضاف: “واشنطن هي من ستختار قيادات اللجنة التي ستكلف بتنفيذ الآلية، وبالتالي سيكون هؤلاء موالين لها وليس للبلاد، والشارع يفهم ويعي ذلك جيداً، ولذلك يستنكره ويرفضه، وهناك حلول كثيرة بديلة عن هذا المخطط، من بينها دعم الاتفاق الليبي – الليبي، الذي أفرز حكومة قادرة على بسط سيادتها على عموم البلاد، ما يؤهلها على إجراء الانتخابات في إشارة إلى حكومة باشاغا”.
وتابع بأن رغبة واشنطن وحلفائها في الاحتفاظ بالسيطرة على المؤسسات المالية السيادية الثلاث، وهي المصرف المركزي ومؤسستي النفط والاستثمار، بعيداً عن كل ما يحدث من صراعات، قد تم الكشف عنه بوضوح عبر حديث نورلاند، الذي قال إنه: “يمكن إتمام انتخابات في ظل وجود حكومتين”.
كما أبدى عدد من السياسيين الليبيين تشكيكهم وتخوفهم من هذا المقترح الأميركي لإدارة عوائد نفط بلادهم عبر آلية مستفيد، والتي اعتبرها الليبييون دليلاً على وجود مؤامرة غربية تقودها واشنطن بهدف إدامة الصراع الليبي، لتعميق السيطرة على النفط، ناهيك عن أن تطبيقها قد يقود البلاد لسيناريوهات مظلمة.
وفي السياق قال عضو مجلس النواب الليبي، إسماعيل الشريف: “إن الدبلوماسية الأميركية لا تهتم كثيراً بالصراع القائم في ليبيا، لكن جُلّ اهتمامها منصبّ على كيفية الهيمنة على ملف إدارة العوائد النفطية، وهو ما يرسخ الاعتقاد بأنها تتعمد إطالة أمد الأزمة”.
من جهته، حذر الأستاذ بمعهد الدراسات الدولية حافظ الغويل من تبعات المقترح الأمريكي إن طُبّق، وقارن بينه وبين ما حدث في العراق، ضمن البرنامج الأممي النفط مقابل الغذاء، وقال: “إن هذه التجربة انتهت بنهب الثروات هناك بشكل موسع، وبالتالي لو وضعت هذه الآلية لدينا بطريقة غير صحيحة، وبدون مراقبة، فمن الممكن مواجهة المصير ذاته”.
وبناءً على ما سبق، يُشير المراقبون الى أن النفط الليبي يبقى مُسيساً ومتنازعاً عليه، وبإستمرار وجود نزاع سياسي بين الليبيين، وعدم إيجاد آلية لإجراء إنتخابات، بهدف توحيد مؤسسات الدولة والجيش تحت راية موحدة، ستبقى البلاد مرتعاً للفوضى وإرهاب الجماعات المسلحة، وملعباً خلفياً للغرب الطامع بخيرات الشعوب.
فالأمثلة كثيرة على إجراءات وإعتداءات واشنطن وحلفائها على الدول الغنية بالموارد الطبيعية، وليبيا الغارقة في مستنقع الفوضى اللا متناهي إحداها. لذلك على الليبيين أن يتنبهو ويتيقنو لما يُحاك لهم من خطط وبرامج لن تزيدهم إلا فقراً ومعاناة.