قال الشيخ الدكتور محمد عجان الحديد الحسيني، الأمين العام للأكاديمية العالمية لعلماء الصوفية، إن مولد النبي محمد ﷺ مولد الإنسانية بذاتها والقيمِ الراقية، والاخلاقِ الحميدة، وقد تَعلمنا ذلك مِن سيرتهِ ﷺ في حياتهِ اليومية، ومِن أفعالهِ الإنسانية لأنَ سيرةَ النبي ﷺ كانت مثالاً حياً وانعكاساً جلياً، لمفاهيم التواصل الإنسانيِ ومبادئهِ الذي يَتعدى حدودَ الدين، ويتـــجاوز أسوارَ العقيدةِ، لتُشكلَ قدوةً يُحتذى بها وأسوةً يُقتدى بها.
وأضاف في كلمته في حفل المولد المليوني ببنغلاديش:”كيف لا والدينُ الإسلامي يحثُ على التعاونِ والمودةِ والتعايش ِالسلميِ مع الجميع لتحقيق المصالح المشتركة في الحياة الدنيا ما لم يكُن لهذا التعاون أثر سلبي على سعادة المسلم في الحياة الأخرة، فالله سبحانه وتعالى جعل المودة والتعاون بين الناس ميلاً فطرياً، فقد جُبلت الروح على حُبِ مَن أحسنَ إليها”.
وتابع:” سادتي لا اريد أن أطيل عليكم ولكن سنمر مروراً مقتضباً على سيرة الحبيب ﷺ وسنجد القيم والأخلاق والرحمة والرقي والتعايش السلمي وقبول الطرف الآخر بكل ماهيته متبلوراً فيها، فلو تكلمنا عن حق الانسان على نفسه: فتجده ﷺ قد قَضَى أَنْ « لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ » أي لا يُنقص الرجلُ أخاهُ شيئًا مِن حقهِ ولا يجازيهِ على إضرارهِ بإدخال الضَررِ عليهِ”.
وأوضح:” لو تكلمنا عن حق الوالدين عنده ﷺ: فقد جَاءَ رَجُلٌ إلى رسول اللَّه ﷺ فقال : يا رسول اللَّه مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بحُسنِ صَحَابَتي ؟وفي روية بحسن رعايتي قال : « أُمُّك » قال : ثُمَّ منْ ؟ قال: « أُمُّكَ » قال : ثُمَّ مَنْ ؟ قال : « أُمُّكَ » قال : ثُمَّ مَنْ ؟ قال : « أَبُوكَ ».
ولو تكلمنا عن حق الجار فتجد قوله رسول الله ﷺ (المؤمنُ مَنْ أَمِنَهُ الناسُ، والمسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمُونَ من لسانِهِ ويَدِه، والمُهاجِرُ مَنْ هجرَ السُّوءَ، والذي نَفسي بيدِهِ لا يدخلُ الجنةَ عَبْدٌ لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوَائِقَهُ) وقال في حديث أخر (واللهِ لا يُؤْمِنُ، واللهِ لا يُؤْمِنُ، واللهِ لا يُؤْمِنُ. قيلَ: ومَن يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: الذي لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوايِقَهُ).
ولو تكلمنا عن حق الأجير: فقد ألزم النبي ﷺ صاحبَ العملِ أن يُسارع في وفائهِ وسدادهِ أجرهُ المكافئ لجُهدهِ، فقد قال ﷺ ( أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ) وفي رواية: ( حقه ) بل ارتفع النبي ﷺ بدرجةِ العاملِ والخادمِ إلى درجة الأخِ، وهذا ما لم يُسْبَق في حضارةٍ من الحضاراتِ، أو في أمةٍ من الأممِ، فقال ﷺ ( إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ (أي خدمكم) جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمنْ جَعَلَ اللهُ أخاهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَليُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلا يُكَلِّفْهُ مِنَ العَمَلِ ما يَغْلِبُهُ، فإِن كَلَّفَهُ ما يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْه) “.
واستطرد:” لو تكلمنا عن منهج التعامل مع الكبير والصغير: فقد قال ﷺ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا. وهكذا أوصى شبابَ المجتمعِ بشيوخهِ، وشبابُ اليومِ هم شيوخ الغد، وتبقى الوصية، المحمدية، متواصلة، مع مرورِ الزمنِ توصي الأجيالَ بَعضها بِبعض، والجزاءُ من جنس العمل. وانظر إلى هذا التعميم: “وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا أي كبير مُسن، مهما كان لونهُ، ومهما كان دينهُ، فالمسلمُ مطالبٌ بإكرامِ المسنِ دونَ النظرِ إلى عقيدتهِ أو بلدهِ أو لونهِ”.
وقال:” لو تكلمنا عن حق الحيوان فمن رحمته ﷺ أنه نهى أن يحول أحد، بين حيوانٍ أو طيرٍ وبين وَلدِه. ونهى وحذرَ مِن أن يمُثَّل بالحيوان، أو أن يوُسِمَ أي (يُكوى) في وجههِ، فقد دخل النبي ﷺ بستاناً لرجلٌ مِن الأنصارِ ، فإذا فيهِ جَمَل ، فلما رأى الجملُ النبيَّ ﷺ ذرفت عيناهُ ، فأتاهُ رسولُ الله ﷺ فمسحَ عليهِ حتى سَكنَ، ثم قال : ( لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ ؟، فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: هُوَ لِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَفَلَا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَاكَ إِلَيَّ، إِنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ» .أي (تتعبه)”.
وبين في كلمته:” لو تكلمنا عن التجار والتجارة: فقد حذر ﷺ التجارَ مِن غش الناس والنصب عليهم فقال ﷺ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا ثم شجع التجار على الصلاح وبين مقام التاجر الصدوق فقل: (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ)”.
وأوضح:” لو تكلمنا عن التيسير على الناس في العبادة: فتجد أن النبي ﷺ كان يحبّ التيسير في كل شيءٍ، وكان يكرهُ التشديدَ في كل شيءٍ؛ حتى انهُ لما بَعَثَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ، قَالَ: “يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا”، نعم هكذا فديننا دينُ يُسرٍ ولين، دينُ رحمةٍ ومحبة. وفي الحجِ يسرَ أفعالَ الحجِ رحمةً بأمتهِ؛ فحين وَقَفَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: “افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ”.
وأضاف:” لو تكلمنا عن رحمته وشفقته حتى مع من يعادونه ويقاتلونه: وهو في أحلك المواقف في ساحة المعركة يقول: اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
ولو تكلمنا عن بشاشته بوجه من يلقاه: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ » بل جعل الابتسامة من الاعمالِ التي يؤجرُ المرء على فعلها فقال: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ»،لاشك أنَّ لقاءَ النَّاسِ بالتَّبسُّمِ، وطلاقةِ الوجهِ، مِن أخلاقِ النُّبوةِ، وهو منافٍ للتكبُّرِ، وجالبً للمودَّةِ” وتؤجر عليه كما تؤجر على الصَّدقة”.
وأوضح:” لو تكلمنا عن بدءهِ من يلقى بالسلام: فقد قال ﷺ: يُسَلِّمُ الرَّاكبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشي عَلَى القَاعِدِ، والقليلُ عَلَى الكَثِيرِ متفقٌ عليه. والماشيان أيّهما يبدأ بالسلامِ فهو أفضَلُ. وفي رواية: والصغيرُ عَلَى الْكَبِيرِ.
ولو تكلمنا عن حثه ﷺ على إدامة صلة الرحم: فقد قال: (يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ)”.
ونوه بأنه لو تكلم عن مراعته حتى في حق الطريق ومن فيه: فقد قَالَ ﷺ: إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا فَقَالَ إِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الأَذَى وَرَدُّ السَّلاَمِ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ، عَنِ الْمُنْكَرِ، ولاشك أن بهذه الاخلاق والصفات يتحقق لدينا مجتمع سلمي ناجح وراقي وهذا ما يطلبهم الجميع، وشمائله وخصاله الحميدة وإنسانيته الفريدة لايمكن أن نحصيها بمحاضرةٍ أو مجالسٍ أو كتاب ولكن ذكرت لكم هذا على سبيل المثال لا الحصر ﷺ.
وأضاف أن دعوى الصاقُ التطرفِ بالإسلامِ فهي دعوا مَردودة، واقولُ لأصحابِ الاصواتِ النشجزةِ اينَ تِلكَ الاصوات مِن الحركاتِ الارهابيةِ التي يقومُ بها بعضُ المنحرفينَ في دولِ الغربِ وأقولُ البعضُ لأننا نؤمنُ ان التطرفَ لا دين له، إذاً فهي دعوة أن يحَرصَ الانسانُ على حياتهِ وعلى أن يقوم الأبناء بحق الأباء، وعلى مُراعاة حقوق حرمةِ الجارِ والأجيرِ وعلى حُرمةِ الكبيرِ والعطفِ على الصغيرِ وعلى الرأفة بالحيوانِ وعلى حُسنِ المعاملةِ في البيعِ والشراءِ وعلى التيسيرِ على الناسِ وعدم التعسيرِ عليهم، وعلى التَعامُلِ بالحكمةِ والرحمةِ والشفقةِ ولو مع من يُعادونكَ، وعلى زرعِ الإبتسامةِ ونشرِ السلامِ وإدامة، صلة، الرحم، بين البشريةِ جمعاء وإعطاء كلُ ذي حقٍ حقهُ ومُستحقهُ، إذاً فهي دعوة في ميلاد سيد الإنسانية ﷺ ان يلتزمَ كلٌ منا بحالهِ وقالهِ ﷺ وتعليماتهِ فبِها خَلاَصُ المُجتمعاتِ من الظلاماتِ التي تمرُ فيها الان، أشكرُ دولةَ بنغلاديش حكومةً وشعباً على اعتنائهم بيومِ ميلادِ سيدِ البشريةِ ﷺ وأشكرُ راعي الملتقى فضيلة السيد سيف الدين الحسني الحسيني حفيد سيدي رسول الله على حفاوةِ الاستقبالِ وكرمِ الضيافةِ ورحابةِ الصدرِ جعلهُ المولى تبارك وتعالى سداً منيعاً للأمنِ والأمانِ في هذهِ البلاد ومصدرَ طاقةٍ روحيةٍ نورانيةٍ لجميعِ أحبابهِ ومريدهِ أمين”.
وكان الأمين العام للأكاديمية العالمية لعلماء الصوفية الدكتور محمد عجان الحديد الحسيني، رفقة فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخضر ذرفوفي الحسني رئيس فرع الأكاديمية في المملكة المغربية إلى جانب وفود من دول أخرى، في حفل المولد المليوني ثم ملتقى السلام العالمي، ببنغلاديش، إلى جانب أنشطة دعوية وبرامج متنوعة أخرى خلال الفترة ٨ / ١٠ / ٢٠٢٢ لغاية ١٦ / ١٠ / ٢٠٢٢م .
ويأتي ذلك تحت رعاية الشيخ السيد سيف الدين أحمد القادري الحسني المزبنداري شيخ الطريقة القادرية المزبندارية ورئيس البرلمان الصوفي العالمي بدولة بنغلاديش.