ماأجمل أن تكتب وأنت تترفع عن الثمن، وترى الثمن هو الوطن حين يشرق، فقد مللنا من فكرة تسخير الأوطان لخدمة الطغيان
حين لاتريد من الحاكم مالا، ولاأن تلتقط معه صورة، ولاتتملقه، بل لتدفعه الى النجاح لأنك من داعمي مشروع الدولة فأكتب، ولاتخش ردات الفعل، وترفع عنها.
كما الصغار حين تحتشد في خواطرهم الأفكار والعقائد والضغائن والثأريات، وربما نوايا الفشل، والشعور بالدونية، وحتى الغيرة والحسد يمكن أن يكون ذلك منسحبا على مجموعات بشرية كاملة، وعلى شعوب، وعلى نخب فاعلة في السياسة والثقافة والإعلام، فيتحول الفشل الى ثقافة، واليأس الى وسيلة لتحقيق الغايات البائسة، فلايعودوا يتحملون أن يتحقق لهم النجاح، ولا لغيرهم لأنهم وريثو أزمنة اليأس والكبت والدونية التاريخية بفعل عوامل الإضطهاد والقمع والدكتاتوريات القومية والدينية التي أشبعت بعض الجماعات بشعور النقص والتابعية والفوضى الفكرية وفوضى الوجدان المعطل إلا عن البكائيات والصراخ، ثم الإنسحاب نحو ساحة الخنوع التي يريدها المسيطر والمتحكم حتى إذا جاءت اللحظة التاريخية وتحول المنهزم في ذاته الى متحكم منقوص تسامح مع أدوات الفشل، وجعلها تسيطر على سلوكه، فلايتحمل أن يرى سياسة، ولادولة، ولاقائدا ينجح، فينكفيء نحو زعامات شكلية، وولاءات سطحية، وتغيب عنه الدولة الجامعة فلا يتحملها لأنها تذيب طموحاته الشخصية، ورغباته البسيطة التي يظنها النهايات، وماتتمناه النفس على قاعدة:
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
ولكي لايزعلوا منا نقول: إنها زيارة يمكن أن يقوم بها رئيس كل دولة الى دولة أخرى، وتنتهي بتصريحات وإجتماعات وصور، وقبل ذلك كانوا يقولون : السوداني يتوسل قبولا أمريكيا لإستقباله في واشنطن، بينما تأتيه دعوات رسمية في العلن من القيادة الأمريكية، ويريدوننا أن نصدق ماينسجونه في السر من أكاذيبهم، ونكذب الدعوات الرسمية، وتوزع البعض بين راغب في نيل الرضا الرسمي فصار يهول الأمور الى فوق ماتحتمل، وبين صاخب في رفضه وتنكيله وأمله في فشل الزيارة، وكان يتخيل إن طائرة السوداني حين ستنزل في مطار رونالد ريغان سيمتنع الأمريكيون عن فتح بابها خشية أن ينزل السوداني، وكانت الرحلة في وقت محدود وإطار محدود الى العاصمة الفدرالية، وربما الى ميشيغن التي تتوفر على جالية عراقية كبيرة ذرفت دموع الشوق الى وطن فارقته من سنين، ثم رأت واحدا من ابنائه ممن عايش المغتربين قبل غربتهم، ثم لم يغادر حين غادروا، بل عاش محنة مابعد ٢٠٠٣ كما عاشها في الثمانينيات وتسعينيات الحصار والجوع والإحباط، فإجتمعت لديه المعاناة القديمة برغبة تقديم شيء مختلف لاليكتب له التاريخ مايتمناه، بل ليكتب هو لنفسه ولناسه شيئا مختلفا يجعله ويجعلهم يعيشون أملا وتطورا وجمالا كلنا يتشوق له لعله يتحقق كاملا خلال الفترة المقبلة على أمل أن يمسك الحالمون بالسلطة والمليارات أعصابهم فلايكثرون من كمية الألغام والأحقاد التي ينوون زرعها في طريقه.
جيل المعارضة للنظام السابق الذي حكم بعد العام ٢٠٠٣ والذي بدأ يهرم، وعايش الإحتلال والموت المجاني، وساهم بنصيب من الفشل والفساد عليه أن يتشجع، ويمنح الفرصة لجيل جديد من السياسيين، فقد مللنا من فكرة تسخير الأوطان لخدمة الطغيان، وأظنكم تتذكرون سيرة الحاكمين عبر التاريخ، وكم حكموا لأنفسهم متجاهلين الوطن حتى مع خديعة أن واحدا منهم عمل حديقة مدرجة لحبيبته المصابة بالإكتئاب، وواحدا نقش إسمه على طابوق مفخور في معامل النهروان شرق بغداد، وواحدا صنع حربا، وواحدا ذبح شعبا وكلهم ذبحوا ببرود أعصاب، ثم ذهبوا الى النسيان برغم تعلق المنتفعين منهم بهم، متجاهلين الحق لحساب التعصب القومي والطائفي والمناطقي والنفعي في أحيان. فليس الشرف والمسؤولية من يدفع في الغالب لتعلق الناس بالرموز، بل المصالح والأوهام والخديعة التي يصنعونها لأنفسهم، ويطوقونها بها، وإلا فالحق أحق أن يتبع، ولامجد لفاسد، ولا لقاتل، ولالسجان، ولا لقامع للمستضعفين، وعلى قاعدة: من أعان ظالما ولو بكلمة حشره الله معه في النار يوم القيامة.
إدعموا السوداني شرط أن لاتطمحوا في صورة معه، ولامكافأة تتمنونها، ولاتقربا لمحيطين به أو لتكونوا في قائمة المفضلين للظهور على القنوات الفضائية فالرجل يستحق أن ندعمه بتجرد دون أن نقترب منه وأن نشجعه ليستمر في العمل ولعله يساهم في صناعة جيل سياسي جديد بدلا من جيل مقرف هدعايشناه وأجيال مقرفة عبر تاريخنا المقرف الذي سجلناه حروبا ومجاعات وحصارات وسجون وهناك من يريده أن يستمر للأسف لأنه لايستطيع أن يعيش إلا مع القرف