عندما تعيش تجارب مختلفة تستخلص منها عبرا ومعارف وتفهم الحياة، وفي كل شيء يمكن أن تجد ما يدفعك للكتابة عنه. وقد تتميز في ذلك. أو تتوقف، ولاتواصل خاصة حين يدركك الإحباط، ومن سنوات وأنا أراقب فنادق العاصمة العراقية بغداد التي هي إرث مهم، وبنيت منذ عقود، وأسميها بأسمائها، ( بغداد في شارع السعدون الذي برغم مرور أكثر من ستين عاما على إنشائه لكنه مايزال محتفظا بروعته ويديره السيد داود شمو ) وقد أقام فيه أشهر الفنانين والساسة والمغنين والملحنين والكتاب والصحفيين، ومنهم بدر شاكر السياب الذي تذكرت قصيدته الليلة حيث ينهمر المطر على شوارع بغداد الغالية وأنا أتنقل فيها :
عَيْنَاكِ غَابَتَا نَخِيلٍ سَاعَةَ السَّحَرْ ، أو شُرْفَتَانِ رَاحَ يَنْأَى عَنْهُمَا القَمَرْ . عَيْنَاكِ حِينَ تَبْسُمَانِ تُورِقُ الكُرُومْ وَتَرْقُصُ الأَضْوَاءُ …كَالأَقْمَارِ في نَهَرْ يَرُجُّهُ المِجْدَافُ وَهْنَاً سَاعَةَ السَّحَرْ كَأَنَّمَا تَنْبُضُ في غَوْرَيْهِمَا ، النُّجُومْ
ثم يقول
أتعلمينَ أيَّ حُزْنٍ يبعثُ المَطَر ؟ وَكَيْفَ تَنْشج المزاريبُ إذا انْهَمَر ؟ وكيفَ يَشْعُرُ الوَحِيدُ فِيهِ بِالضّيَاعِ ؟ بِلا انْتِهَاءٍ كَالدَّمِ الْمُرَاقِ ، كَالْجِياع ، كَالْحُبِّ ، كَالأطْفَالِ ، كَالْمَوْتَى هُوَ الْمَطَر !
ياالله يالروعة الشعر الذي تنسجه الأرواح المعذبة، وهي روح السياب البصري رحمه الله.
ومن تلك الفنادق فندق حجي حجي جعفر الشهير ، وقد تردى حاله، وصرت لاأطيقه. فكلما ذهبت أليه قابلني موظف الإستعلامات طالبا مني خمسة آلاف دينار ثمن الوقوف ( بالله عليكم هل يعقل أن ننشط السياحة حين نرغم الزبائن على دفع المال لقاء ركن السيارة في كراج فندق مشهور ؟ ومنها فندق الرشيد الذي يرتاده الساسة، وأهل الرتب العالية وكبار ضيوف الدولة وهو ليس لنا بالطبع، وفي جانب الرصافة حيث فندق فلسطين ميريديان الذي تجاهلت دخوله منذ سنوات، ويقابله واحد من أروع فنادق بغداد، وكنت كلما نظرت أليه أشعر إنه بهيبة جبل شامخ لعلوه وروعة تصميمه حيث إنطفأت فيه الأنوار، وأغلقت الأبواب، وتوقف عن إستقبال الزبائن لسبب لاأعرفه، وربما تعرفه وزارة السياحة، وهناك فندق بابل الذي مازال يقاوم ويعمل، ويكفيني منه إنه لايجبي مبالغ مالية من الزبائن حين يركنون سياراتهم.
وأتساءل من المسؤول عن هذه المذبحة هل هي وزارة السياحة، أم فساد ما، أم إنها فنادق إنتهى عمرها الإفتراضي، ويمكن أن تباع بالتفسيخ؟
بالمقابل تعلو هذه الأيام مجموعة من الفنادق الفخمة والفخمة للغاية، وهي عبارة عن فرص إستثمارية داخل المنطقة الخضراء، وعلى جانبي دجلة، وهي مملوكة لتجار ولسياسيين نزلت عليهم الأموال بزنابيل من السماء، ولايجرؤ أحد أن يقول لهم: من أين لك هذا؟ وهذا أمر يثير الريبة، وكأن هناك مذبحة للفنادق الحكومية لتعلو الفنادق الخاصة كما ذبحت مدارس التعليم الإبتدائي والثانوي لصالح المدارس الأهلية، وكما ذبحت الجامعات والكليات الحكومية لصالح الأهلية، ومثلما ذبحت المستشفيات الحكومية لصالح الأهلية.. والحمدلله إن الملاهي ليست حكومية لكانت تحولت الى أهلية، ولتم إستيراد الحلوات من خارج البلاد للعمل فيها.