أسهم رفع البنك الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة لأكثر من مرة في تراجع قيمة العديد من العملات الوطنية في الدول الناشئة حول العالم ، كما أسهم في تآكل احتياطها النقدي من الدولار، الذي يعد العمود الفقري لهذه الاحتياطيات، الأمر الذي دفع البنوك المركزية بهذه الدول للجوء إلى آليات، بعضها صعبة جداً، لإنقاذ أو لإعادة بناء احتياطها النقدي.
وواجهت العديد من الدول حول العالم تحديات ناجمة عن نقص الدولار الذي يعد عملة الاحتياطي النقدي الرئيسية لمعظم الاقتصادات حول العالم ؛ حيث أدى ارتفاع سعره إلى انخفاض قيمة العملات المحلية لهذه الدول، ما دفع العديد من البنوك المركزية بهذه الدول إلى بحث سبل توفير النقد الأجنبي لديها.
وتستخدم احتياطيات النقد الأجنبي لتنويع محفظة الدول المالية، التي تتضمن الأوراق النقدية الأجنبية وأذون الخزانة والودائع المصرفية والأوراق المالية الحكومية الأجنبية الطويلة والقصيرة الأجل، واحتياطيات الذهب، وحقوق السحب الخاصة.
الاحتفاظ بالدولار
وكشف تحليل أجراه مركز “إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية”، ومقره أبوظبي، أن العديد من الدول حول العالم تسعى جاهدة للاحتفاظ بالدولار الأمريكي بالإضافة إلى مزيج من العملات الأخرى بما في ذلك اليورو والين والفرنك السويسري والجنيه الإسترليني كجزء من احتياطاتها النقدية.
وذكرت الدراسة أن حضور الدولار في الاقتصاد العالمي يتضح من كونه عملة الاحتياطي النقدي الأجنبية الرئيسية ، مدعوماً بحجم وقوة الاقتصاد الأمريكي وأن حضور الدولار العالمي يظهر بقوة في هيمنته كمخزن للقيمة، فيما تسهم احتياطيات النقد الأجنبي في ارتفاع ثقة المستثمر الأجنبي وتزيد من قدرة الدولة على توفير السيولة بالعملات الأجنبية لامتصاص الصدمات خلال الأزمات الاقتصادية والوفاء بالتزاماتها الداخلية والخارجية المتعلقة بفاتورة وارداتها، والتزامات سداد الديون السيادية والتجارية.
جهود متنوعة
وأكدت التحليل ،أنه ونظراً لأهمية النقد الأجنبي، يلعب الاحتياطي النقدي الدولاري دوراً مهماً في الاقتصادات القومية، ويعد معياراً لقوة أو ضعف الاقتصاد على الصعيدين الدولي والإقليمي، ومن ثم تتحدد على أساسه القرارات والسياسات الاقتصادية للدول لذا تبذل الدول جهوداً كبيرة لتوفير موارد دولارية لبناء احتياطيات النقد الأجنبي لديها ودعم اقتصاداتها.
آليات مبتكرة
وذكر تحليل “إنترريجونال” أنه وعلاوة على هذه الجهود التقليدية للحصول على العملات الأجنبية، تسعى الدول لابتكار آليات جديدة تسهم في توفير موارد النقد الأجنبي بخلاف برامج التمويل المقدمة من المؤسسات الدولية، ويمكن تناول أهم هذه الآليات المبتكرة على النحو التالي:
1- اجتذاب مدخرات المواطنين من العملات الأجنبية، حيث تتمكن الحكومات من توفير النقد الأجنبي من خلال تقديم الحوافز لتشجيع المواطنين على عدم اكتناز العملة الأجنبية، وخاصةً الدولار و تشجعهم على دفع الأعباء غير الضريبية بالعملة الأجنبية بدلاً من المحلية.
2- الاستفادة من تحويلات العاملين في الخارج، من خلال تحفيز العاملين بالخارج على تحويل أموالهم إلى القنوات الشرعية، عبر توفير المشروعات أو أدوات الاستثمار التي يمكنهم الاستثمار فيها، وإصدار شهادات وأوعية ادخارية دولارية بفوائد مرتفعة لاستثمار تلك العوائد.
3- تبني نماذج أعمال شاملة، حيث تلجأ الحكومات إلى تبني نماذج عمل حديثة نسبياً من أجل زيادة موارد النقد الأجنبي تقوم على تحقيق منافع متبادلة بين الاستثمارات الأجنبية وحكومات الدول منخفضة الدخل.
4– زيادة جذب الاستثمار المؤسسي الأجنبي في الدولة، من خلال توفير البيئة الاستثمارية الجاذبة وتقديم التسهيلات والحوافز الحقيقية، للمستثمرين المشاركين في التداول في الأسواق المالية، ما يؤدي إلى زيادة المعروض من العملات الأجنبية.
5- توفير العملة الأجنبية من خلال زيادة الإنتاجية، وذلك بتحويل الاقتصادات للاعتماد على القطاعات الإنتاجية لا الاستهلاكية وتشجيع المنتج المحلي وإعطاء مزايا تفضيلية له ومن ثم توفير التدفقات الدولارية لدفع فاتورة الواردات.
-6 استهداف المدخرات الدولارية خارج القطاع المصرفي ، من خلال إيجاد أوعية ادخارية ذات فائدة مرتفعة، ورفع سعر الفائدة على الودائع الدولارية للمواطنين، وإصدار شهادات دولارية بفوائد مرتفعة، ما يسهم في زيادة المعروض من العملات الأجنبية.
-7 حظر قنوات استنزاف الموارد الدولارية وذلك من خلال خفض النفقات الحكومية غير الضرورية التي يتم الصرف بها بالعملات الأجنبية، وإعادة ترتيب الأولويات لموارد الدولة وتجميد استيراد السلع الكمالية والترفيهية.
-8 فرض قيود على خروج رؤوس المال، عبر فرض ضرائب باهظة على خروج رؤوس الأموال الساخنة، ووضع قيود على خروج الاستثمارات من خلال رفع التكلفة، أو التفاوض حول البقاء من خلال حوافز ضريبية للمستثمرين لإعادة استثمار أرباحهم داخل الدولة.
-9 إصدار الديون بالعملات الأجنبية، حيث تعتبر السندات والصكوك واحدة من أدوات التمويل من خلال الأسواق الدولية؛ حيث يمكن للحكومات إصدار الديون عن شركاتها بالدولار الأمريكي من خلال طرح السندات والصكوك في الأصول المحلية للاكتتاب دولياً؛ ما يتطلب بناء وتطوير سوق المشتقات المالية بهدف تعميق سوق الصرف الأجنبية ورفع مستويات السيولة بالعملة الأجنبية، وجذب استثمارات المحفظة الأجنبية من خلال طرح أدوات الدين.
-10 قيام البنوك المركزية وذلك بعقد اتفاقات مبادلة للعملات المحلية مع البنوك المركزية الأخرى، أو شراء عملات الدول الصديقة من السوق المفتوحة، والتداول على تلك العملات؛ ما يسهم في جذب المزيد من العملة الأجنبية، ومن ثم يزيد الاحتياطي النقدي للدولة فترتفع قيمة عملتها، وتحقق معدلات النمو الاقتصادي المنشودة.