تجدد الجدل حول سيناريوهات رفع الدعم عن الوقود في ليبيا، بعد تلميحات صدرت عن صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي بشأن ما وصفها بـ«خفض إعانات الدعم غير المستهدفة»، وذلك بعد نحو أسبوعين من حديث رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الموقتة عبدالحميد الدبيبة ، بضرورة المضي قدماً نحو تفعيل هذا القرار، لمكافحة تهريب الوقود داخلياً وخارجياً.
وعقب مشاورات بين مسؤولين من المصرف المركزي وصندوق النقد الدولي في تونس، الإثنين الماضي، أوصى بيان صادر عن المؤسسة النقدية الدولية بإمكانية خفض «إعانات الدعم غير المستهدفة» لتحرير الموارد اللازمة للإنفاق الاجتماعي والاستثمارات الإنتاجية بشكل أفضل، لكنه عاد وقال إنها «آراء لفريق الخبراء بقيادة ديمتري غيرشينسون، ولا تمثل بالضرورة آراء المجلس التنفيذي لصندوق النقد».
وترفض عضوة مجلس النواب فوزية بوغالية تدخل صندوق النقد الدولي سواء بخبرائه أو مجلسه التنفيذي في هذا الملف، قائلة، في تصريح إلى «بوابة الوسط» إن «القرار بشأن الدعم هو مسألة سيادية تحتاج دارسة وافية ووضعا مستقرا وقانونا صادرا عن المجلس التشريعي، وليس تدخلا أو توصية من صندوق النقد».
غلاء وانقسام في ليبيا
وفي حين ترجع النائبة الليبية رفضها أي إجراء بشأن الدعم إلى «الوضع المعيشي المتردي والغلاء والانقسام السياسي»، فإنها حذرت من مغبة المضي في اتخاذ القرار الذي «سيساهم في زيادة الأسعار».
يشار إلى أن تلميح صندوق النقد الدولي بشأن رفع دعم الوقود،
– خبراء صندوق النقد: ليبيا تحتاج إلى رؤية اقتصادية واضحة بشكل عاجل
– «المركزي» يبحث سياسة سعر الصرف مع خبراء صندوق النقد في تونس
ويقدر دعم ليبيا للوقود بما يناهز 3.9 مليار دولار، بنسبة 17.7% من الناتج المحلي الإجمالي، أما سعر البنزين فيعد الأرخص في ليبيا من ضمن جميع دول أفريقيا بـ0.11 % للتر الواحد، وفق الأمم المتحدة.
من جانبه، يستبعد رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة إمكانية رفع الدعم عن الكهرباء، لكنه رأى إمكانية رفعه عن البنزين على أقل تقدير خلال هذه المرحلة، وتعويض الأسرة الليبيبة بـسبعة آلاف دينار سنويا أو خدمات صحية، وذلك في حوار خاص إلى قناة «الوسط». لكن بن قدارة رأى أن هذا «القرار يحتاج إلى قانون يمكن المواطن من اللجوء إلى القضاء حال عدم حصوله على التعويض»، منبها إلى أن «عدم الاستقرار السياسي مشكلة حقيقية تواجه الدولة الليبية».
صندوق النقد والدعم.. «كلام مطاط»
وينتقد الخبير النفطي محمد أحمد ما صدر عن خبراء الصندوق بشأن الدعم، واصفا الحديث عن «إعانات الدعم غير المستهدف» بأنه «مطاط جدا وغامض»، وتساءل «كيف يمكن صياغة نموذج للدعم المستهدف؟». وفيما يرى محمد أحمد ضرورة أن «يحاول خبراء الصندوق فهم الواقع الليبي قبل أن يصدروا أي نتائج»، فإنه يشير إلى أن القرار الأخير بشأن «الدعم يحتاج إلى دراسة وطنية، وليست توصية من الصندوق».
ويرصد الخبير الليبي، في تصريح إلى «بوابة الوسط»، «جوهر المشكلة في الحوكمة، وقال «من الممكن أن تستبدل الحكومة الدعم، ويوجه رئيس الحكومة (الدبيبة) الفائض إلى منح حكومية على شاكلة الزواج»، مفضلا أن تمنح «للمواطن محدود الدخل في شكل دعم».
حكومة الدبيبة لا تمتلك رؤية متكاملة لرفع الدعم
وفي نفس السياق، رأى المحاضر بكلية الاقتصاد جامعة مصراتة عبدالحميد الفضيل أن حكومة الدبيبة لا تمتلك برنامجًا أو رؤية متكاملة لرفع الدعم بشكل كلي مع وجود البدائل، وذلك في مداخلة سابقة مع برنامج «فلوسنا» على قناة «الوسط» (Wtv). وبينما تحدث الفضيل عن تجربة 28 دولة في سياسة رفع الدعم، كلها وضعت برامج واضحة لهذه الخطوة، إلا أنه قال أن «جميع الدول التي رفعت الدعم تشهد استقرارًا سياسيًا في ظل وجود حكومة واحدة، بالإضافة إلى حسن اختيار التوقيت الذي تنخفض فيه أسعار الوقود، وبالتالي يكون تأثيره محدودا على المواطنين».
و سبق أن شكل رئيس حكومة الوطنية الموقتة لجنة لبحث مقترح متكامل لرفع الدعم عن المحروقات في مارس الماضي، إلا أنها لم تتوصل لنتائج بهذا الشأن حتى اللحظة.
وكان ديوان المحاسبة الليبي قد سبق حكومة عبدالحميد الدبيبة في طرح خيار رفع الدعم عن المحروقات «كحل وحيد لاستنزاف ثروات البلاد بعمليات التهريب»، وفي تقرير سنوي صدر في نهاية أكتوبر الماضي أوصى الديوان بـ«استبدال عدم نقدي بالدعم العيني، أو تنظيم عمليات توزيع المحروقات».ت