يقف العالم على أبواب تغييرات كبيرة في توازن القوى والأحلاف العسكرية، بعد إطلاق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 24 من فبراير الماضي، عملية عسكرية خاصة لتجريد سلاح النظام الأوكراني، وإنهاء الصراع المسلح الدائر فيها منذ 2014. الأمر الذي قابله تخبط أمريكي وانهزام واختلال في حلف الناتو، أمام زخم العملية العسكرية، وصدى الصواريخ المجنحة والزحف البري لقوات الجيش الروسي على امتداد الأراضي الأوكرانية.
لم يعد العالم تحت تأثير القطب الواحد وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية في الهيمنة على المحافل الدولية، التي ما انفكت تثير الفوضى في العالم لحماية مصالحها وتغير أنظمة حكم ببساطة لم ترق لها.
حيث يعد تغيير المعادلة الدولية أمر لطالما انتظرته العديد من البلدان العربية التي لم تكن يومًا تقوى على الاعتراض والوقوف أمام الأجندات الأمريكية ومصالحها، من سوريا والعراق، مرورًا بليبيا وصولاً إلى اليمن، هذه البلاد التي تعاني من انعدام استقرار وتداعيات الحروب، طفح الكيل بها وبالألاعيب الأمريكية.
فليبيا على سبيل المثال، انحدرت إلى نفق مظلم من الفوضى المسلحة والحرب الأهلية الممزوج بالتشدد والإرهاب بعد أن أسقط حلف الناتو نظام القذافي عام 2011، ليقف من بعيد ويشاهد الشعب الليبي يعاني من على طول إحدى عشر سنة من انعدام الاستقرار.
وعندما وصل الدور إلى جارة موسكو في أوروبا، “كييف”، قطع الرئيس الروسي التكهنات والألاعيب السياسية باليقين، ودخلت قواته لإسكات أبواق الحرية والديمقراطية الأمريكية المزعومة، والتي لم تتعدى كونها دعم عسكري وسياسي للنظام الأوكراني في مذبحته بحق المناطق الإنفصالية شرقي البلاد، ومحاولته إنشاء قواعد لحلف الناتو في بلاده متجاهلاً التحذيرات والقلق الروسي من تداعيات هذه الخطوة.
ولم تستبعد تقارير صحفية من أن تكرر روسيا الأمر نفسه في ليبيا، التي طال الصراع على الشرعية فيها بسبب الأجندات والمصالح الغربية (حلف الناتو وأمريكا) في ثرواتها، الأمر الذي أشار إليه العديد من المحللين السياسيين أيضًا، كون روسيا تعتبر معنية بشكل مباشر في الملف الليبي، وفي أكثر من مناسبة ساهمت مشاركته إلى تحقيق تقدم نوعي في المصالحة وفي مسار إنهاء الأزمة بشكل كامل.
وفي هذا الصدد المحللون السياسيون أيضًا إلى إمكانية حدوث صدام مباشر في ليبيا، ينهي أي وجود أجنبي فيها، لأن ما يحصل في العملية السياسية من عراقيل هو انعكاس لأجندات الغرب، فانقلاب جماعة الإخوان المسلمين على المسار السياسي عام 2014، كان بسبب تدخلات خارجية.
واندلاع نزاع مسلح في 2019، كان بسبب ذبذبة أحد الأطراف السياسية، وتعرقل الإنتخابات في أواخر 2021، بسبب انسحاب بعثة الأمم المتحدة واستقالة رئيسها وفشلها في صون المسار السياسي، الذي انتهى بانتشار الميليشيات المسلحة في طرابلس عشية موعد الانتخابات الذي كان محددًا، متذرعين برفضهم عودة مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفاني ويليامز إلى المشهد السياسي، وغيرها الكثير من الأحداث المفصلية.
والمثير للدهشة أن دعاة الديمقراطية والحرية في أمريكا، اكتفوا بالتصريحات السياسية، والتحذير، بالرغم من أن ماكان يحدث كان جليًا على الجميع، وكان من الممكن اتخاذ خطوات فعلية على الأرض لتحقيق الإستقرار في ليبيا.