معركة لا يخوضها سوى الأبطال، وهي لا تقل أهمية عن المعارك العسكرية في ميادين القتال، إنها معركة الوعي، قد يتصور البعض أن نشر الوعي أمر سهل يسير، وهو في الحقيقة أمر صعب للغاية، لا يصل إليه إلا أصحاب العقيدة الراسخة المؤمنون بأن بناء الشعوب يبدأ من الوعي.
من فكرة إلى مشروع وطني
وبعيدا عن التعريفات اللغوية والاصطلاحية لمفهوم ومعنى الوعي، والتي قد لا ينجذب إليها القارئ الذي هو الهدف والمقصد والمنال، أريد أن أتحدث عن تجربة فريدة شاركت فيها في مهدها، وتلك التجربة بدأت بفكرة، سرعان ما تحولت الفكرة إلى مشروع وطني.
إنها مؤسسة القادة للعلوم الإدارية التي ركزت أعمالها في عدة جوانب بهدف واحد وهو تشكيل وعي المواطن من خلال برامج متعددة متشابكة تهدف لإعداد شخص يمتلك من المهارات الأساسية ما يؤهله لأن يكون (كادرا قادرا) مؤثرا في محيطه، من خلال التدريب والتأهيل.
انطلاق مؤسسة (القادة)
بدأت مؤسسة القادة للعلوم الإدارية في العام 2014، وكان مولد المؤسسة في توقيت تعيش فيه الدولة المصرية تحديات جساما، وذلك عقب ثورة 30 يونيه عام 2013 والتي استطاع الشعب والجيش المصري فيها اقتلاع جذور جماعة الإخوان الإرهابية التي عششت في أرض مصر الطاهرة زهاء 70 عاما، وكان اقتلاع جذور الإرهاب له تداعيات خطيرة على كافة الملفات، وخاصة الملف الأمني والاقتصادي في ذلك التوقيت.
أجواء ضبابية
في ظل أجواء ملتهبة (ضبابية) وتحديات حاضرة ولدت فكرة مؤسسة القادة، في البداية رسم القائمون على هذا العمل خطة لتنفيذ الفكرة وكانت تلك الفكرة تبني على الحضور في المشهد المصري بشكل مختلف، وهو نشر الوعي بين ربوع الشعب المصري، ولتحقيق هذا الهدف كان لزاما علينا أن ننهج نهج التطوع بالوقت والجهد والعرق لنشارك في بناء مصر الجديدة التي كنا نحلم بها، وخاصة بعد الأجواء التي مرت علي كل المصريين بين عام 2011 وعام 2013، وهي الحقبة الأسوأ في تاريخ مصر الحديثة، إذ تمكن الإرهاب من مفاصل الدولة وغاب الأمن وحل التطرف.
غاب الخوف وحضر الأمن وانطلق قطار التنمية
ومع ذلك استطاع الرئيس عبدالفتاح السيسي قائد ثورة 30 يونيه أن يؤسس لدولة فتية قوية وأن يتجاوز كافة التحديات بشكل إعجازي، فحل الأمن وبدأ قطار التنمية في الانطلاق وفشل المتآمرون والخونة وصناع الفوضى في الداخل والخارج أن ينالوا من الشعب المصري.
الوعي هو الهدف
لقد وضع القائمون على المؤسسة الشباب في مقدمة الأهداف، فهم كل الحاضر والمستقبل، ونشر الوعي بين هؤلاء الشباب يساهم بشكل كبير في تعافي الدولة المصرية.
شركاء النجاح (القادة ومؤسسات الدولة)
وحتى أكون منصفا في الطرح والشرح لابد أن أسرد أسماء صناع الفكرة والذين يتجاوز عددهم (70) ألف شاب وفتاة رجلا وامرأة من كل المحافظات المصرية على مدار 8 سنوات من العمل المتواصل مع كل جهات الدولة بداية من وزارة الشباب والرياضة ومرورا بالهيئة العامة للاستعلامات وأكاديمية السادات للعلوم الإدارية وأكاديمية ناصر العسكرية وعدد من الجامعات المصرية بينهم جامعة القاهرة العريقة والأحزاب السياسية الفاعلة في المشهد والمعاهد والأكاديميات الخاصة وعدد من المحافظات بينهم القاهرة والجيزة والقليوبية والإسكندرية وبورسعيد وسوهاج وقنا والأقصر والفيوم وبني سويف والسويس والشرقية حتى وصلت القادة إلى أكثر من 25 محافظة وأخيرا وليس آخرا وزارة التضامن.
القادة وصناعة كادر قادر
لقد أقامت القادة فعاليات تدريبية وتأهيلية لصناعة كادر قادر على مواجهة التحديات من خلال برامج رفع الوعي التي كنت شاهد عيان على بعضها، مثل برنامج ألف قائد أفريقي وعربي مع جامعة القاهرة وبرنامج سفراء الوعي مع وزارة التضامن وبينهم مئات البرامج التدريبية والتأهيلية.
70 ألف شاب صنعوا فكرة القادة
لقد شهدت القادة محطات صعبة وخاصة أن برامج رفع الوعي والتدريب والتأهيل مكلفة للغاية وتقوم بها الدول إلا أن شباب القادة ويتقدمهم الدكتور أحمد الشريف رئيس مجلس الأمناء والدكتور محمد يحيى غيدة الأمين العام وأعضاء الهيئة العليا وكل المنتسبين لهذا الكيان وعددهم 70 ألف قدموا ملحمة بطولية من خلال نشر ثقافة التأهيل والتدريب ورفع الوعي بشكل إعجازي.
ماهية التدريب والتأهيل
إن التدريب والتأهيل في أي زمان ومكان هو ما يخلق الفارق ويحقق النتائج فشعب مدرب مؤهل يساوي شعبا منتجا ناجحا متقدما، وثقافة التدريب والتأهيل تحتاج إلى مجهود كبير حتى تزرع في أي مجتمع لا يعرف عن التدريب والتأهيل شيئا، وأعتقد أن أوروبا نجحت وسبقت الجميع بفضل ثقافة التدريب والتأهيل لديهم، فالعلم يلزمه تجربة والتجربة تحتاج إلى أسس وقواعد علمية تبني عليها حتى تحقق النجاح وتأتي بالنتائج المأمولة.
القادة فكرة
ولذلك فكر مؤسسو القادة في تدشين كيان لتأهيل وتدريب المصريين عموماً والشباب خصوصاً على كل التجارب الحياتية (مجانا)، وكان هذا النهج سيراً وتماشيا مع فكر الرئيس عبدالفتاح السيسي نحو تدريب وتأهيل وتمكين الشباب في المرحلة المقبلة.
يونية عام القادة
من هنا جاءت فكرة تدشين مؤسسة (القادة) يوم 14 يونية عام 2014 لتنفيذ إستراتيجية قومية تساعد في بناء الدولة المصرية بعد عام 2011 الذي أفرز وعيا سياسيا مشوها لدى الجميع وتتماشى مع التوجه العام للدولة في تدريب وتأهيل النشء والشباب، ولذلك نسعى من خلال (القادة) إلى التأهيل حتى التمكين.
أهداف عامة للمؤسسة
تسعى القادة إلى تنفيذ المشروع القومي لـ(إعداد القادة) والذي يهدف إلى.
القادة والبرامج الانتخابية للبرلمان والمحليات
الهدف الأول: إعداد قيادات لخوض الانتخابات البرلمانية والمجالس المحلية من خلال منح هؤلاء الشباب دورات تدريبية تمهيدية ومتخصصة لكافة أبناء الشعب المصري دون تمييز أو تفرقة تحت شعار (لكل أبناء الشعب المصري الحق في التدريب والتأهيل المجاني.
القادة وبرنامج القيادات الرفيعة
الهدف الثاني: دورة في تأهيل الشباب على التجارب (الحياتية) والوظائف بشكل عام إلى تأهيل الشباب للوصول إلى سدة الوظائف (المرموقة) من محافظين ونواب وزراء ورؤساء مدن ومسئولي شركات كبرى ولذلك تم تدشن دورات تأهيلية مختلفة في الشكل والمضمون والمادة العلمية والمحاضرين والمتدربين، إذ وضعنا شروطا قوية لقبول المتدرب في الوظائف الرفيعة، إذ لابد من أن يكون المتدرب حاصلا على مؤهل جامعي، ولا يقل عمرة عن 21 عاما وقت التقدم، وأن يجيد لغة أجنبية بالإضافة إلى تمكنه من اللغة الأم العربية، وأن يكون مصري الجنسية ولديه الحق في مباشرة حقوقه السياسية، بالإضافة إلى كونه حسن السمعة ومحمود السلوك والمظهر، لديه خبرة سابقة في العمل التطوعي والعام لا تقل عن عام كامل، وأن يجتاز المقابلة الشخصية التي تعقدها اللجنة قبل بداية الفعاليات، وستكون الأولوية للحاصلين علي دراسات عليا (ماجستير – دكتوراه).
وكانت مدة الدورة 15 يوما، وحاضر فيها خبراء وأستاذة جامعيون على مستوى علمي عال وملمون بالشأن السياسي والقانوني والاجتماعي والاقتصادي ومخاطبة الجماهير، مع عقد ورش عمل واقعية تطرح فيها مشاكل خاصة كل في تخصصه بهذا الشأن وكيفية التعامل فيها، إذ نعول على من يمنح هذه الدورة أن تكون لديه الخبرة الكافية لتولي المنصب دون تعثر، ويكون لديه آليات العمل ووضع الخطط ورسم السياسيات الخاصة بعمله، ونجحت تلك الدورات نجاحا كبيرا وكان هناك عدد من منتسبي القادة في وظائف مرموقة اليوم من نواب وزراء ومحافظين.
برنامج الوعي
الهدف الثالث: برنامج الوعي الذي وضعته المؤسسة والذي كان له مردود إيجابي على تشكيل وعي الشباب على مستوى الجمهورية وخلق كوادر مجتمعية شبابية لتولى المسئولية الإدارية في شتى المجالات السياسية والحزبية، والمناصب التنفيذية، ويخلق جيلا جديدا (صف ثاني وثالث) يكون لديه قدر من العلم والمعرفة ومدرب وقادر على الإدارة ليكون ماثلا أمام الإدارة السياسية والسلطة التنفيذية داخل مصر، للاستعانة به في رفع شأن المجتمع.
فعاليات المؤسسة خلال 8 أعوام
برامج متنوعة
على مدار 8 سنوات عقدت مؤسسة القادة فعاليات تدريبية متنوعة وصلت إلى أكثر من 25 محافظة مع كافة الجهات والمؤسسات وساهمت في تدريب ما يقرب من 250 ألف شاب وفتاة، وأطلقت وشاركت في مبادرة متنوعة أهمها مبادرة تأهيل ألف قائد أفريقي وتبعها ألف قائد آسيوي وألف قائد عربي وسفراء الوعي، وبرامج إعداد القيادة الرفيعة والتأهيل للمحليات وغيرها من البرامج المختلفة.
مشاركة في استحقاقات متنوعة
كما شاركت مؤسسة القادة في كافة الاستحقاقات التي مرت بها مصر من عام 2014 حتى عام 2022 وكانت من أبرز عناصر مؤسسات المجتمع المدني خلال تلك الفترة.
القادة والإبداع
القيادة إبداع، والقائد وحده من يحقق (النجاح) وحتى نجعل من القيادة أسلوب حياة لبناء الأجيال الجديدة لابد أن نزرع في شبابنا أهمية الثقافة والفكر وفنون الإدارة الحديثة وكيفية تطبيقهم في حياتهم بشكل عام وفي أعمالهم على وجه الخصوص، فالقيادة والثقافة والإبداع والمهارة خصائص يمتلكها أصحاب المواهب والإرادة، فهم وحدهم القادرون على قيادة المستقبل ومسايرة التطور وتحقيق النتائج المبهرة.
أضلاع القادة
(القادة) مربع يحتوي على أضلاع أربعة بينها كل حكايات النجاح والتحدي.. الضلع الأول منهج تدريبي وفكر تأهيلي، والثاني تخطيط متقن وتنفيذ محكم، والثالث شباب واعد ومستقبل أفضل، والرابع انتماء راسخ ونحاج محقق.
ما بين الأضلاع قل ما تشاء من حكايات التحدي والنجاح والإصرار والعلم، فالقادة تنزع منك الجهل والتخلف والعشوائية والطاقة السلبية وتمنح الثقافة والتدريب والتأهيل والطاقة الإيجابية وتصل بك إلى التمكين والطموح والشموخ، إنها معادلة بسيطة للنجاح وخطوات قريبة للتقدم، يجد فيها كل متطلع ما يرغب فيه فتزرع الأمل في أهل التشاؤم وتمنح أهل النشاط والتفاؤل المقدمة إنها (القادة) التي أعرفها أنا.
(القادة) وترسيخ الوعي
الثقافة ترسخ الوعي والفكر نتاج تجارب، فلن تستطيع أن تهزم أصحاب العقول إلا إذ سيطرت عليهم فكرياً وخلقت داخلهم وعيا مشوها، فالحرب الحالية والقادمة هي حرب الفكر والثقافة وطمس الوعي، ولذلك أصبح الغزو الحالي للوطن العربي والعالم الإسلامي غزوا فكريا، والحرب حرب معلومات موجهة لتنفيذ المخطط المرسوم وهو ما يطلق عليه حروب الجيل الرابع والخامس.
تثقيف سياسي ونشر الوعي
استطاعت القادة أن تقدم للمجتمع المصري برامج فريدة في التوعية والتثقيف السياسي والاجتماعي والقانوني والتنمية البشرية.
ختاما
في النهاية أقول إن تنمية فكرة القيادة والقائد وما يمتلك من قيم وثقافة ووعي ومهارة وعلم هي السبيل الوحيد للقضاء على الجهل، لأنه بمنتهى الوضوح لا يوجد مكان للجهلة وسط شعب يمتلك من الوعي والثقافة والقيم والعلم والمهارات ما يسد الباب أمام هدم الأوطان وتمكين الخونة والمتآمرين.
حفظ الله مصر وشعبها.