مصر ليبيا ترصد أراء سياسيين في مستقبل حركة طالبان بعد وصولها لحكم أفغانستان

مصر ليبيا ترصد أراء سياسيين في مستقبل حركة طالبان بعد وصولها لحكم أفغانستان

القاهرة – رحاب طه

تاريخ الحركة يهدد باستمرارها في الحكم بأفكار الماضي .. والعالم يترقب تعاطي طالبان مع  الإحداث المقبلة

طالبان هي حركة سياسية إسلامية مسلحة تعمل وفق المنهج السني ،تكونت من مجموعة من الطلبة وترجمة اسمها إلى العربية تعني حركة الطلبة أو الطلاب  ،للحركة هدف معلن منذ نشأتها وهي تطبيق الشرعية الإسلامية .

تاريخ الحركة ونشأتها

تأسست الحركة في عام 1994 على يد الملا محمد عمر ،وتكونت من مجموعة من الطلبة من مناطق "البشتون" في شرق وجنوب أفغانستان ،كانوا يتلقون تعلميهم في مدارس إسلامية ،وشاركوا في الحرب الأهلية التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفيتي أبان الحرب الباردة .

واستطاع  الملا محمد عمر مؤسس الحركة وأول قائد لها أن يضم إليه عدد كبير من الطلاب في كل إنحاء أفغانستان ،واستطاعت الحركة بعد عامين من تأسيسها أن تسيطر بشكل كامل على العاصمة "كابول "في سبتمبر عام  ،إذ تم الإعلان رسميا عن قيام الإمارة الإسلامية في أفغانستان 1996،ولكن سرعان ما انتقلت العاصمة من كابول إلى مدينة قندهار ،واستمرت الحركة في الحكم حتى عام 2001 ،إذ تم الإطاحة بالحركة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عقب أحداث هجمات 11 سبتمبر التي استهدفت برجي التجارة في أمريكا وخلفت ألاف من الضحايا .

الدول التي اعترفت بالحركة في الماضي

وخلال فترة حكم حركة طالبان من عام 1996 إلى 2001 لم تعترف بحكومتها  أي دولة دبلوماسيا سوى ثلاث دول فقط وهما  باكستان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ومن عام 2001 وحتى اليوم وتعيش حركة "طلبان " حركة تمرد واستطاعت خلال 20 عاما أن تحارب كل الحكومات التي ساندتها الولايات المتحدة الأمريكية بداية من إدارة كرازي وقوات ايساف بقيادة حلف شمال الأطلسي "الناتو ".

وحسب أخر الإحصائيات قدر عدد المنضمين لحركة "طلبان " بحوالي 200 ألف جندي بقيادة  أميرها الحالي هبة الله أخوند زاده .

جرائم الحركة في فترة حكمها

لقد ارتكبت الحركة في عهدها الأول عدد من الجرائم ضد الشعب الأفغاني بسبب تطبيقهم القاسي للشريعة الإسلامية وتعاملهم بوحشية من الشعب ،إذ تم رصد جرائم ومذابح ارتكبتها الحركة خلال الخمس سنوات  ضد المدنيين الأفغان ،كما حرمتهم من إمدادات الأمم المتحدة الغذائية لـ 160 ألف مدني جائع، واتخذت سياسة الأرض المحروقة، وحرقت مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة، ودمرت عشرات الآلاف من المنازل. وأثناء سيطرتها على أفغانستان قامت الحركة بحظر الأنشطة ووسائل الإعلام بما في ذلك الرسومات والتصوير الفوتوغرافي والأفلام التي تصور الأشخاص أو الكائنات الحية الأخرى. كما حرموا الموسيقى التي تستخدم الآلات باستثناء الدف.

ومنعت الفتيات والشابات من الالتحاق بالمدارس، ومنعت النساء من العمل خارج الرعاية الصحية (منع الأطباء الذكور من علاج النساء)، وطالبت النساء برفقة قريب ذكر وارتداء البرقع في كل الأوقات عندما تكون في الأماكن العامة.

الجلد للمخالفين وتحطيم التماثيل

وإذا خالفت النساء قواعد معينة، يتم جلدهن أو إعدامهن علانية،كما تعرضت الأقليات الدينية والعرقية للتمييز الشديد خلال حكم طالبان.

وفقًا للأمم المتحدة كانت طالبان وحلفاؤها مسؤولين عن 76٪ من الضحايا المدنيين الأفغان في 2010، و 80٪ في 2011 و 2012.

كما انخرطت حركة طالبان في الإبادة الثقافية، ودمرت العديد من المعالم بما في ذلك تمثال بوذا الشهير الذي يبلغ من العمر 1500 عام في باميان.

أيدلوجية الحركة

تم وصف أيديولوجية طالبان بأنها تجمع بين شكل "مبتكر" من الشريعة الإسلامية على أساس أصولية ديوبندية والإسلاموية المتشددة، إلى جانب المعايير الاجتماعية والثقافية البشتونية المعروفة باسم الباشتونوالي، حيث أن معظم طالبان هم من رجال قبائل البشتون.

ليس لحركة طالبان لائحة داخلية تنظم شؤونها، ولا يوجد لديها نظام للعضوية ومع ذلك فهي حركة متماسكة من الداخل، ويرجع ذلك إلى الخلفية الفكرية الموحدة لعناصرها إذ إن معظمهم تخرج في مدارس دينية واحدة تنتمي إلى المدارس الديوبندية التي تعارض التيارات الفكرية التجديدية.

كما أنهم مخلصون لفكرتهم ومقتنعون بها ويعتبرون العمل من أجلها جهاد في سبيل الله.

ويتمتع أمير الحركة بنوع من السيطرة الروحية على الأفراد الذين يعتبرون مخالفته معصية شرعية، وكان لعدم وجود شخصيات محورية ذات نفوذ قوي في الحركة أثر في استقرارها الداخلي، وساعد في ذلك أيضا قيام الحركة بعقوبات فورية للمخالفين وتغيير مستمر في المناصب حتى لا تتشكل جيوب داخلية في الحركة أو مراكز قوى، كما أنهم لا يقبلون أفراد الأحزاب الأفغانية الأخرى وبالأخص في المناصب الكبيرة ومراكز اتخاذ القرار.

دعم باكستاني للحركة

على الرغم من إقصاء الحركة من الحكم خلال الفترة الأولي وخاصة أن الحركة ارتكبت حماقات ،فلقد أكدت تقارير دولية عن دعم من المخابرات الباكستانية والقوات المسلحة الباكستانية لطالبان أثناء تأسيسها وفترة وجودها في السلطة، واستمرت في دعمهم أثناء التمرد،مع ذلك فقد نفت باكستان ذلك وصرحت بأنها أسقطت كل الدعم للجماعة بعد هجمات 11 سبتمبر.

وفي سنة 2001 ورد أن 2500 عربي تحت قيادة زعيم القاعدة أسامة بن لادن قاتلوا مع طالبان.

طالبان ضد الديمقراطية

ترفض طالبان استعمال لفظ الديمقراطية لأن الديمقراطية تمنح حق التشريع للشعب وليس لله، ولا ترى الحركة أهمية لوضع دستور أو لائحة لتنظيم شؤون الدولة وترى أن القرآن والسنة هما دستور الدولة الإسلامية.

وتعتبر الحركة أمير المؤمنين بمثابة الخليفة ينتخبه أهل الحل والعقد، ولا توجد مدة محددة لتولى منصب أمير المؤمنين، ويتم عزله فقط في حالة العجز أو الموت أو إذا أتي ما يخالف الدين.

 والشورى كما تؤمن بها الحركة معلمة فقط وليست ملزمة، وتهتم الحركة اهتماما كبيرا بالمظهر الإسلامي كما تتصوره، فتأمر الرجال بإطلاق اللحى ولبس العمامة وتمنع إطالة الشعر وتحرم الموسيقى والغناء والصور وتمنع عمل المرأة خارج بيتها ويشرف على تنفيذ ذلك هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الحركة والأحزاب

ولا تسمح الحركة بتشكيل أحزاب سياسية جديدة ولا تقبل الأحزاب الموجودة، ويقول زعيم الحركة في ذلك إنه رفضها لأنها "تقوم على أسس عرقية وقبلية ولغوية وهي نوع من العصبيات الجاهلية الأمر الذي تسبب في مشاكل وعداء وفرقة بين الناس".

موقف الحركة من إيران

يتفاوت موقف حركة طالبان من الدول المجاورة، فبالنسبة لإيران تميزت العلاقة بينهما بالتوتر الشديد، فالحركة تتهم إيران بالعمل على تصدير المذهب الشيعي إلى أفغانستان ودعم أحزاب المعارضة، بينما تتهمها إيران باضطهاد الأقلية الشيعية الموجودة هناك.

موقف الحركة من الهند وروسيا

أما بالنسبة للموقف من الهند وروسيا وبعض دول آسيا الوسطى فإن هذه الدول لا تخفي قلقها تجاه طالبان وتعمل على دعم المعارضة، فالهند ترى أن طالبان تشكل عمقا إستراتيجيا لباكستان وتفتح أمامها أسواق آسيا الوسطى، بينما تخاف روسيا وحلفاؤها في آسيا الوسطى من نفوذ حركة طالبان، وطالبان بدورها لا تخفي عداءها لهذه الدول.

موقف الحركة من باكستان

بالنسبة لموقفها من  باكستان فقد كانت الحركة تنظر إليها على أنها أقرب الدول إليها وأكثرها صداقة لها، حتى أعلنت إسلام آباد موافقتها على التعاون مع الولايات المتحدة في حربها ضد أفغانستان عقب تفجيرات نيويورك وواشنطن في أحداث 11 سبتمبر 2001 .

كيف عادت طالبان لحكم أفغانستان

لم يكن طريق وصول حركة طالبان إلى سدة الحكم نتيجة كفاح مسلح ،أو مشروع وطني أنما جاء نتيجة دعم وتبادل مصالح لبعض الدول .

2010 اندماج بين الحركة وجماعة الدعوة

ويقول الكاتب رمضان عبد السلام في مقال له عن أيدلوجية الحركة وارتباطها ببعض المجموعات صاحبة الفكر المختلف ،انه في يناير عام 2010 انضمت "جماعة الدعوة إلى القرآن والسنة" و هي  اكبر جماعة سلفية في أفغانستان إلى حركة طالبان ،فيما يشبه الاندماج ،وهو الأمر الذي منح الحركة قوة في تلك الفترة ،بعد مبايعة  الجماعة الجديدة للملا محمد عمر .

وبذلك استطاعت التحالف الجديد  أن يمكن طالبان من السيطرة على ولايتي كونر ونورستان، شرق أفغانستان بعد أن اخلي الأميركيون قواعدهم فيهما تحت ضغطها .

طالبان والفكر الوهابي و ابن تيمية

وعن الأيدلوجية السياسية للجماعة الجديدة التي دعمت حركة طالبان وهي "جماعة الدعوة إلى القرآن والسنة" يقول الكاتب : نجد أنها أسست على يد الشيخ جميل الرحمن عام 1963 م،وكان المؤسس يميل إلى مذهب الماتوريدية و النقشبندية المتاصل في جارتها باكستان ،ولكنه تأثر بعد بذلك بأفكار أبن تيمية وكذلك الفكر الوهابي نسبة إلى محمد بن عبد الوهاب ،وهو ما اثر في فكر جماعته وكذلك فكر الحركة .

ونتج عن  عدم تناغم الفكر بين "جماعة الدعوة إلى القرآن والسنة" وحركة ""تحالف المجاهدين "  اغتيال المؤسس الشيخ جميل الرحمن عام 1991 على يد واحد من أتباع حركة "تحالف المجاهدين " وذلك قبل تأسيس حركة طالبان في العام 1996.

وبذلك تغير فكر حركة طالبان في مرحلة ما بعد عام 2010 عن فكر النشأة والتكوين عندما انضمت إليها  "جماعة الدعوة إلى القرآن والسنة".

ويعد  انضمام الجماعة إلى الحركة في عام 2010 دليلا قويا من الدلائل على تطوير الحركة لمنهجها التعبوي"التكتيكي" و ربما السَّوْقي  "الاستراتيجي" فليس من السهل على الحركة و الجماعة في ضوء الاختلاف المنهجي بينهما الالتقاء ، و أغلب الظن أنهما التقيتا على بداياتهما " الماتوريدية" الأولى قبل الاحتكاك بالعرب ابان الثمانينيات الماضية ، و هو ما يفسر مرونة الحركة في التعاطي مع الأميركيين حد اعترافهم بها ، و تسليمها أفغانستان بموجب اتفاق رسمي وُقّع  في مارس 2020  و إن سوقوه على انه اتفاق سلام بينهما فقط .

لقد لعبت الأصول الفكرية دورا مهم في الأحداث الأخيرة حيث تمكنت الحركة من الوصول عن طريق تغيير المنهجية .

طالبان لن تنجح في إقامة دولة عصرية

ويقول الدكتور وليد عبد الحي في أحد مقالاته عن مستقبل حركة طالبان بعد وصولها للحكم ، لم تتوقف طاحونة الموت في أفغانستان من 1979( الدخول السوفييتي) الى خروجها بشكل تام عام 1989، ثم اندلع الصراع الداخلي بين القوى السياسية، وظهرت خلالها حركة طالبان كقوة صاعدة، لكنها غرقت في حرب أهلية واضطرابات اجتماعية حتى عام 2001 مع بدء الفصل الأمريكي من بعد هجمات سبتمبر  من ذلك العام من خلال التدخل الامريكي الواسع حتى 2021 ، وها هي القوات الامريكية تنسحب لتعود طالبان للسيطرة على البلاد.

ويشير الكاتب إلى ،إن انه من الضروري إدراك ان بنية حركة طالبان تقوم على أسس لا تؤهلها على المدى البعيد لبناء دولة عصرية وإقامة علاقات دولية متوازنة، واهم هذه الأسس.

1- أنها حركة دينية متشددة الى حد بعيد مما يجعل من تفسيراتها الدينية تجاه  قيم العدل والحرية والمساواة تفسيرات لا يشاطرها فيها إلا قدر قليل في الداخل وقدر اقل  في المجتمع الدولي .

2- أنها حركة ترتكز بشكل كبير على اثنية قبلية(الباشتون) الذي يشكلون حوالي 40-45% من سكان افغانستان ال 40 مليون نسمة، وهو ما يعني ان بقية الاقليات مثل الطاجيك 25%،الهزارة حوالي 10% والاوزبك 9% ناهيك عن  10 ثقافات فرعية صغيرة أخرى مثل  التركمان والبلوش...الخ سيشعرون ببعض التوجس من المستقبل ، خاصة أن هذه الأقليات موزعة جغرافيا بشكل يعزز هويتها الاثنية من ناحية ويعزز بالتالي نزعتها الانفصالية، وقد سبق لي في دراسة عن النزعة الانفصالية للاقليات ان توصلت الى أن 78%  من وزن متغيرات النزعة الانفصالية تتركز في البعد الجغرافي، وفي افغانستان نجد ان الباشتون (الاقلية الاكبر) يتركزون في الجنوب والشمال الشرقي وبشكل فيه تواصل  "جيو - إثني " كبير، ويتواجد الطاجيك في اقصى الشمال الشرقي، بينما يتمركز الهزارا ( وأغلبهم من الشيعة) في الوسط، اما الأوزبك فيتواجدون في اقصى الشمال على حدود كل من طاجيكستان واوزبكستان.

وما يزيد هذا المشهد تعقيدا أن هذه الأقليات الاثنية الكبرى( تشكل حوالي من 80-85% من اجمالي السكان) هي امتدادات لاثنيات أو ثقافات فرعية سائدة في الدول المجاورة، فالباشتون الذين يشكلون الاغلبية الكبرى لهم امتدادهم الكبير في باكستان، والطاجيك في طاجيكستان والاوزبك في اوزبكستان والهزارا في ايران، وهو ما يزيد المشهد تعقيدا ، لان ذلك يعني ان كل أقلية افغانية لها سند أقليمي مما يخلق حساسية عالية واستغلال متبادل لهذا الوضع .

وفي النهاية وعلى الرغم من التحليلات التي صاحبت عودة حركة "طالبان " إلى سدة الحكم والتي يجزم عدد من المحللين على فشلها في أن تكون دولة مدينة وطنية تنهض بالبلاد يبقي الأمر مرهون بالإجراءات والتصرفات التي تقوم بها الحركة خلال الأيام المقبلة .