
بقلم: اشتيوي الجدي دبلوماسي ليبي سابق
“تأتي الرياح بما لا تشتهي السُفن” هذا شطر بيت للشاعر العباسي الشهير أبو الطيب المتنبي، والمقصود به ليس السُفن بحد ذاتها بل الربابنة. ليدلِّل به على أن بعض الأمور لا يمكن أن تجري كما يريدها أصاحبها. ومن ثم صار مقولة تتردد دائما عندما لا يحقق العمل غايته التي يتغياها، أي لا يحقق مقصد صاحبه، بل نقيض هذا المقصود.
والقصة التي نرويها هنا عن الأحداث العنيفة التي شهدتها العاصمة طرابلس خلال الأيام الأخيرة، ينطبق عليها قول المتنبي انطباق غطاء الطبق على الطبق. فقد أتت الرياح بما لا تشتهي سفينة عبدالحميد الدبيبة، رئيس الحكومة منتهية الولاية، الذي اطلق عملية أمنية مسلحة سرعان ما تحولت لعملية عسكرية دامية داخل أحياء العاصمة طرابلس يومي الثلاثاء والاربعاء (13و14 مايو 2025)، حيث جرى اغتيال اغنيوة الككلي، رئيس جهاز دعم الاستقرار (تشكيل مسلح بارز موالِ للمجلس الرئاسي) وثلاث مسلحين من مرؤوسيه، اثناء حضورهم اللقاء الأمني الذي جمع أمراء تشكيلات مسلحة موالية لحكومة الدبيبة، مساء يوم الثلاثاء 13 مايو الجاري، داخل معسكر التكبالي التابع للواء 444 قتال. ليلي ذلك هجوماً عنيفاّ شنته قوات قتالية قادها محمود حمزة، أمر اللواء 444 قتال، وعبدالسلام زوبي، أمر اللواء 111 مجحفل، وعمر بوغدادة، أمر القوة المشتركة مصراته، بمساندة مجموعات مسلحة اخرى موالية لحكومة الدبيبة ومستقدمة من مدن مصراته والزاوية والزنتان. بغية أحكام قبضة حكومة الدبيبة على كامل العاصمة طرابلس وخاصة منطقتي أبوسليم وسوق الجمعة، وفرض هيبة حكومته بالقوة.
إلا أن الهدف الخفي خلف ذلك هو تحييد غنيوه الككلي، أمر جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي، الذي ما فتىء يتطاول على هيبة حكومة الدبيبة، ويمدد نفوذه شيئاً فشيئاً خارج نطاق منطقة ابوسليم. ما جعل رئيس الحكومة، عبدالحميد الدبيبة، يضيق ذرعاً من تصرفات اغنيوة الككلي، واتباعه، ويخاف تمدد نفوذه أكثر فأكثر ، لذلك رأى عبدالحميد الدبيبة، رئيس الحكومة، أن يتغدى بخصمه قبل أن يتعشى به، وقرر إنهاء غنيوة الككلي، قبل ان يشتد خطره ويستفحل شره. وحالما قُتل غنيوه الككلي، جرت عملية السيطرة على مقرات واسلحة جهاز دعم الاستقرار، واصدر رئيس الحكومة قراراً يقضي بحل الجهاز وتفكيكه.
شكَّل اليوم التالي اللحظة
لعبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة، إذ أنتهز احتشاد الآف المسلحين الذين استقدمهم من مدينته مصراته للاستقواء بهم على سكان العاصمة طرابلس، ووجههم لمساندة قوات حكومته، المتمركزة أساساً بالعاصمة طرابلس والمتكونة من اللواء 444 قتال، واللواء111 مجحفل، علاوة على القوة المشتركة مصراته، ومجموعات مسلحة أخرى مستقدمة من مدينتي الزاوية والزنتان. حيث اُعطيت لهم الاوامر للهجوم على مقرات جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة(تشكيل مسلح بارز موالِ للمجلس الرئاسي) للتخلص من أمره عبد الرؤوف كاره(شيخ سلفي)، ومن ثم السيطرة على مطار قاعدة معيتيقة، وعلى سجن قاعدة معيتيقة لتحرير المتطرفين الإسلامويين، من أجل استرضاء زعيمهم مفتي ليبيا المزعوم الصادق الغرياني، الذي ما فتىء يدعو حكومة الدبيبة طوال السنوات الماضية للهجوم على سجن قاعدة معيتيقة لتحرير أتباعه ومواليه. ويجدر الإشارة هنا إلى ورقة اخرى رابحة طالما سعى رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة للحصول عليها ألا وهي استلام اللواء عبدالله السنوسي، مدير إدارة الإستخبارات العسكرية إبان النظام السابق، المعتقل لدى جهاز الردع، بالنظر لما يمثله من أهمية وحساسية داخلياً وخارجياً.
ولهذا كان لزاماً على رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، أن يسعى إلى انتزاع ورقة معيتيقة (المطار والقاعدة والسجن) وايضا ورقة (المعتقل عبدالله السنوسي “الصندوق الأسود”) من يد خصمه السلفي المدخلي العنيد عبدالرؤوف كاره، أمر جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. لأن من يمتلك هذه الأوراق الرابحة، يمكنه أن يقايض اعداءه أو خصومه بما يكفل بقاءه في المشهد الليبي.
ولكن اللحظة التي لم يحسب رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة حسابها هي سقوط قتلى أبرياء وجرحى في صفوف المدنيين، ناهيك عن الخراب والسلب والنهب للممتلكات الخاصة والعامة، نتيجة الإقتتال بين القوات الموالية لحكومته والقوات المناوئة له داخل الأحياء السكنية بالعاصمة طرابلس ليلة الاربعاء 14 مايو الجاري. إذ جاءت نتيجته بخلاف ما توقع، ولتصبح فيما بعد عكس ما تشتهي سفينته ولتتطور الأحداث يوماً بعد يوم وتتحول إلى حراك شعبي تضامني يطالب بإسقاط حكومة الدبيبة ومحاسبته.
وهنا لابد من التذكير بأن بعض ما جاء في إحاطة كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يوم الخميس الماضي الموافق 15 مايو الجاري، أمام مجلس الأمن الدولي، يوحي بأن هناك اتفاقاً ما بين رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، وحكومات بعض الدول المتدخلة في ليبيا، خلاصته انه يجب أن يقوم بتحسين صورته عبر تسهيل عمل مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية داخل ليبيا، وضرورة سيطرة حكومته على التشكيلات المسلحة المنفلتة بالعاصمة طرابلس، لتتمكن حكومات تلك الدول من مساعدته بالمحافل الدولية. وهذا ما يفسر إقدامه على اصدار أوامر عاجلة للتشكيلات المسلحة الموالية له بشن هجوماً عنيفاً داخل العاصمة طرابلس للسيطرة على المواقع والمقرات التي كانت تحت سيطرة مسلحي جهاز دعم الاستقرار، ومسلحي جهاز الردع، قبل موعد جلسة مجلس الأمن الدولي المشار إليها. على أمل أن يجني رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة، مكاسب من ذلك على الصعيدين الداخلي والخارجي. لكن ورغم كل ذلك جاءت الرياح بما لا تشتهي السُفن.
خلاصة ما سبق تجعلنا نقول: أنه مهما حاولت الآلة الإعلامية التابعة والمأجورة لحكومة الدبيبة، تجميل صورة رئيسها بشتى الوسائل، فان حجم الفظائع المرتكبة لا يمكن أن تنجح أي ماكنة دعائية أو قرارات بتبييضها. خاصة بعدما أخذ الشعب الليبي على عاتقه مسؤولية التغيير وقال كلمته
” ارحل يا دبيبة” وهذا ما يستوجب من الحكومة أخذه على محمل الجد.