القاهرة- عوض محمد
أكد د. محمد بشاري، أمين عام المجـلس العالمي للمجتمعات المسلمـة، أن المتتبع لطبيعة العلاقة فيما بين التنمية المستدامة وما يوازيها من جهد فقهي إفتائي، يستطيع أن يرى بوضوح تنوع نقاط التلاقي والتشارك بينهما، وبخاصة، أن التنمية بحد ذاتها هي إحدى القيم الرئيسة التي بنى عليها الإسلام قيمه المتمثل بعضها في العمران، ناهيك عما يحمله مشروع الاستدامة التنموية الحضارية من تطبيق فعال للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتطبيق الشورى، وتعزيز منظومة القيم الخلاقة الفاهمة لمعاني المقاصد، والمتشبثة بمصالح الأمة لتحقيق خيريتها وشهودها الحضاري، والتخلص من كافة العوامل والفروع الصغيرة والكبيرة التي يشكل استمرارها خطورة على السعي الإنساني، والبقاء بحد ذاته، وأساسيات وضرورات الوجود الإنساني.
أضاف في دراسته للمؤتمر حول “نحو تنمية مستدامة حضارية.. رؤية تأصيلية لانعكاسات الفتوى الإسلامية على تحقيق رفاه الإنسان”: إن التنمية والقدرة على صون استدامتها، يعني النجاح في إيلاء الحضارة ما تستحق من احترام، واستدامة فاعليتها، وشهودها الحضاري الذي يفتخر بما حقق فيه، وإن اختفاء ذلك الحضور يعني اختفاء الحضارة، واندثارها، والإخفاق في صون السعي الإنساني المبثوث فيها.. مشيرا إلى أنه لا يمكن تجاوز ضرورة الربط بين الجهود الوطنية والدور الإفتائي، الذي سيحقق قفزة نوعية في استدامة المجالات التنموية، والتي لا يكتب نجاحها دون رفد القوى ونقش الخطط الاستراتيجية على الصعيد الدولي، وتأهيل القادة الدينيين لتعزيز أهداف هذا المشروع التنموي، من خلال تفعيل منهجية التكامل المعرفي بين العلم الشرعي والاجتماعي والطبيعي، وإدارة الفتاوى المضادة، بحيث يتم وقف كافة الأفكار الهدامة لمشروع التنمية المستدامة، وعدم تفويت فرص استثمار الذكاء الاصطناعي وأدوات التحول والتطور الرقمي الخادمة لاستدامة فروع التنمية، والرقي بها.
وأوصت الدراسة من الجانب الشرعي بتصدير الروابط الشرعية ذات العلاقة بموضوع الاستدامة في السياق القرآني، والسيرة النبوية الشريفة، وتفعيل الجانب الفقهي المعني بالاستدامة التنموية. وأما من الناحية الإجرائية، فلا بد من الإلمام المفاهيمي للتنمية في مختلف القطاعات والمجالات التي ترتبط برفاه ورقي حياة الإنسان، وصون كرامته، وحفظ ضرورات الشرع بنهضة تنموية مستدامة في كافة السياقات من اقتصاد، وتربية، وتعليم، وسياسة، وإعلام، وصحة، وتنزيل الخطط التنموية في سياقها.. موضحا أن هذا كله في ظل منظومة دقيقة بين المادية والروحية، دون تبذير ولا اسفاف، مما يحقق ويدفع بمصلحة الفرد والجماعة، دون التجاوز والتعدي، أو إلحاق الأذى بالأساسات والركائز التي يقوم عليها حياة الفرد والجماعة، وذلك نزولاً عند العديد من الأوامر الربانية الواردة في الكتاب الكريم، والوصايا النبوية، ومنها وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ” إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا ” ، فإذا نجحنا في نشر ثقافة التنمية المستدامة من المنظور الشرعي، واستطعنا أن نحدث مواكبة ملحة بين حاجيات هذه الاستدامة وسياقاتها في التشريع الإسلامي، واستطعنا تحقيق خطط وبرامج تأهيل القائمين على الشأن الافتائي، بما يحقق تجاوز تحديات التنمية، سيقف هذا العالم أمام حقبة زمنية وتاريخية ناصعة من (عصر تنمية مستدامة بمنظور إسلامي حضاري )، يثبت دعائم الرؤية التأصيلية لانعكاسات الفتوى الإسلامية على تحقيق رفاه الإنسان، وبالتالي تعميم حالة من الأمن والاستقرار والعدل الذي تتعطش إليه مساحات إنسانية شاسعة، بالإضافة لإبراز الدور الفقهي في بناء المؤسسات، والمشاركة في تحقيق الأهداف التنموية الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية، والبيئية، والإسهام بشكل مباشر بازدياد مساحة التشارك والتعاون مع القوى الوطنية الدافعة بصون حقوق مجتمعاتها ونهضتها وتطورها، وإبراز مكانتها على المستوى المحلي والعالمي.