الملخص
في مقال اليوم يتحدث المفكر العربي الكبير الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي عن الصلاة فيقول: إن إقامة الصلاة تتحقق عندما يتم تطبيق شروطها وأهدافها التي جاءت في القرآن الكريم، وهي أن تنهى العبد عن الفحشاء والمنكر، فإذا لم يتحقق الهدف أصبحت الصلاة مجرد ركعات تذهب هباء منثورًا. ويطالب الشرفاء المسلم عند أداء الصلاة بأن يجهز نفسه ويعد جوارحه ويستشعر عظمة الله في صلاته من البداية حتى النهاية، ويدرك أنه يقف بين يدي الله ويجدد العهد خمس مرات في اليوم، ويحصِّن نفسه بالصلاة من المعاصي والذنوب، ليصل إلى الهدف وهو اجتناب الفحشاء والمنكر ويحقق القبول المنشود.. التفاصيل في السياق التالي.
التفاصيل
الهدف من الصلاة
فرض الله سبحانه على المسلمين إقامة الصلاة تأكيدًا لأمره سبحانه لرسوله عليه السلام “وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ” (العنكبوت: 45)، إذًا إقامة الصلاة يشترط فيها للقبول عند الله تطبيق الالتزام بالشرط الذي ذكرته الآية في قول الله سبحانه: “إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ”، وإذا لم يتحقق الشرط ولم يتم الالتزام به تصبح الصلاة مجرد ركعات للصلوات الخمس مرات في كل يوم، وإذا لم تنهه الصلاة عن الفحشاء والمنكر فكأنما ذهبت صلاة الإنسان هباءً منثوراً.
استشعار عظمة الله
ولذلك يريد الله من المسلم عندما يقرر أداء الصلاة في أي وقت حان لأدائها، أن يعدَّ نفسه ويحضر جوارحه ويستشعر عظمة الله في بداية صلاته بأنه واقف بين يدي الله، ليجدد عهده مع الله خمس مرات في كل يوم، يشهده على نفسه باتباع كتاب الله وطاعته في كل ما حرمه الله وما نهى عنه، وأن يطبق شريعة الله في تحصين نفسه من ارتكاب كافة المعاصي والذنوب التي حرمها الله على عباده، وتطبيق المنهاج الرباني في أخلاقياته والمعاملة مع أهله وأقربائه ومع قومه ومع الناس جميعًا بالحسنى والكلمة الطيبة.
التحصين من الشقاء
كما تنهى الصلاة عن الإساءة لأي إنسان بغض النظر عن دينه ومذهبه ولونه وهويته، مؤديًا كافة التزاماته لكل الفروض التي شرعها الله للمسلمين من الإيمان بوحدانية الله سبحانه لا شريك له، والإيمان بكتاب الله وآياته في قرآنه، والتسليم لرسول الله محمد عليه السلام في كل ما بلغه عن ربه من آيات القرآن الكريم، وما تلاه على المسلمين من آيات الذكر الحكيم، وما بشَّر به المؤمنين في الدنيا من تحصينهم من حياة الشقاء ومن الضلال من الشيطان الرجيم وأعوانه.
الفوز بالجنة وحياة النعيم
يحيا المسلم إذا اتبع كتاب الله حياة كريمة مطمئنة وعيشًا كريمًا، ويفوز المتقون بالجنة في الآخرة وحياة النعيم، أما الذين كفروا بآيات الله واتبعوا الشيطان الرجيم فيقودهم في حياتهم إلى الشقاء والضنك وعيش البائسين، ويسوقهم بجهلهم وكبريائهم إلى نار الجحيم، فالسلام على من اتبع الخارطة الإلهية للطريق المستقيم، والويل كل الويل للذين استسلموا لأعوان الشياطين وآمنوا بالروايات والافتراءات على الله رب العالمين وهجروا القرآن كلام الله الحكيم، فيقيم الصلاة المسلم في مواعيدها مستعدًا للاعتراف على نفسه أثناء صلاته وهو بين يدي الله العظيم، بما ارتكب من معاص وآثام قبل صلاته، طالبًا من الله التوبة والمغفرة والصفح ليرجع عبدًا صالحًا من المؤمنين، فلن يعود مرة أخرى إلى المعصية، ولن يكون ظهيرًا للمجرمين لأن الله سبحانه ذكر في الآية الكريمة: “إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ”، يؤكد للمسلم الذي يؤدي صلاته بأن الله سبحانه يعلم ما يفعل الإنسان في كل لحظة من حياته ويعلم ما يصنع من تصرفاته، ولذلك أشارت الآية الكريمة بالإضافة إلى النهي عن الفحشاء والمنكر إلى أمر الله سبحانه لعبده المصلي أن يتذكر الله في صلاته بأنه معه في كل مكان لا يستطيع خداع الله أو النفاق معه سبحانه.
إدراك معنى الصلاة
ولذلك يتطلب من المسلم أن يكون صادقًا في توجهه إلى الله، يجدد لله العهد والقسم بأن يحافظ على ميثاق الله ويطلب رحمته وعونه وليس الصلاة عادة كما اعتادها الإنسان منذ أن كان طفلًا يذهب مع والده إلى المسجد لا يدرك معنى الصلاة ومقاصدها لتحصين الإنسان من الوقوع في المعاصي وارتكابه الجرائم، وأن الصلاة في موعدها يتذكر الإنسان ربه بأنه يقوم بتأدية الصلاة من أجل تجديد القسم مع الله ليشهد عليه بأنه ملتزم بميثاق الله في كل لحظة من حياته ومستسلمًا لشرعة الله ومنهاجه في كل صلاة.
تحقيق شرط القبول
ذلك مما يجعل المسلم في حالة يقظة دائمة من صلاة الفجر حتى يعود مرة أخرى ليؤدي صلاة الفجر في اليوم التالي وهو على يقين بأنه لم يخلّ بشرط العهد بينه وبين الله خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية ملتزمًا بالعهد في اليوم الذي يليه إلى أن يأتيه قضاء الله وتخرج نفسه المطمئنة إلى ربها راضية مرضية، صدق في عهده مع الله من الوقوع في الإثم والمعصية، وبذلك يكون الإنسان حقق شرط قبول الصلاة عند الله بالنهي عن الفحشاء والمنكر وذكر الله أكبر في كل الأوقات في السراء والضراء فأسكنه الله فسيح جناته مع الأنبياء والمتقين.