المسلم يؤمن بكتاب الله الذي أنزله على رسوله ليبلغه للناس، وفيه التشريع الذي ينظم العلاقة بين الله والإنسان، وبين الإنسان وغيره من الناس، ووضع الله لخلقه منهاجا وهو خارطة طريق لحياة الإنسان، تبين له أسلوب التعامل بين الزوجين ورعاية الأبوين، والمعاملة الحسنة في علاقات الإنسان بالإحسان والرحمة مع كل البشر، دون تمييز لدين أو مذهب أو طائفة أو لون أو جنسية لماذا؟ لأنهم جميعا إخوة في الدنيا، تأكيدًا لقول الله سبحانه(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ) (الأعراف-١٨٩).
إذا فكل البشر يعتبرون أشقاء، لأنهم من نفس واحدة، وعليهم أن يتعاملوا بمنهاج القرآن، الذي أمر الله الناس جميعا باتباعه وهوالحصن الحصين، وقد أمرنا الله
بالاعتصام بالقرآن العظيم في قوله سبحانه (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ ) لأن الذي ستتم محاسبة الإنسان عليه عند الحساب يوم القيامة هو القرآن، ومدى اتباع الإنسان لشرعته ومنهاجه الأخلاقي في التعامل بينه وبين غيره من الناس.
أما الاجتهادات البشرية فلا إلزام للإنسان باتباعها، ولن يحاسب على عدم قراءتها،لأنها قناعات وأفكار مؤلفها، وليست كلمات الله التي سوف تقينا من شقاء الحياة، كما قال سبحانه (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ 124 قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا) ( طه-124-125).
طريقان لا ثالث لهما، فمن يريد حياة طيبة في الدنيا عليه التمسك بالذكر الحكيم، ومن أعرض عن اتباع الكتاب المبين سيعيش في ضنك إلى حين يبعثون
وكل التشريع الإلهي في القرآن والمنهاج الرباني الذي وضعه الله للإنسان، يحقق له الحياة الطيبة ويجزيه يوم القيامة جنات النعيم، ولابد أن يعرف المسلم أن كل العبادات وضعها الله لحكمة منه، والصيام في شهر رمضان هو شهر الامتحان، ومجاهدة النفس بكبح جماح الشهوات، والسيطرة على الغرائز للتحلي بأخلاق القرآن، ليدرب النفس على عدم الظلم أو الاعتداء على الإنسان بكل أشكاله، بالقول أو باليد والامتناع عن النميمة ونشر الفتنة، والمخاطبة بالكلمة الطيبة مع كل الناس قريبا أو بعيدا، وأداء الأمانة ونشر السلام والوئام والرحمة للإنسان، والعطف على الغلبان، ومساعدة الأيتام والابتعاد كليا عن نزوات الشيطان.
ليستطيع الإنسان أن يتبع نور القرآن في شهر رمضان، ويتدبر آيات الله التي تدعوه للعمل الصالح، والتواضع بالقول الحسن والمعاملة بالإحسان، فلا يطغى ولا يبغي على غيره، لأن الله لا يحب الطغاة وأهل البغي وأهل الفساد، كما قال الله سبحانه (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )( القصص77).
ذلك مثل من المنهاج الرباني، كما يتطلب الالتزام بشروط العبادات، وأنها وسيلة لتحقق حكمة الله في تحصين الإنسان من الوقوع في المعاصي، كما قال سبحانه مخاطبا رسوله عليه السلام (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) (العنكبوت -٤٥).
إذا لابد من يقيم الصلاة يعلم بأن قبولها عند الله توفر شرط أن تلزمه بعدم عمل الفحشاء وإحداث المنكر، يذكر الله قبل ارتكاب الفحشاء وعمل المنكر، لتحصنه الصلاة بذكر الله من الوقوع في المعاصي والمحرمات التي تضمنتها التشريعات الإلهية في القرآن الكريم.
إذا الصيام لا يعني الامتناع عن الماء والطعام، ولكنه أعظم من ذلك، وهو توجيه النفس ومجاهدتها لتطبيق شريعة الله ومنهاجه في الكتاب المبين، ليتحقق له النجاح في يوم العيد، ويفرح بانتصاره على النفس، التي تكون دوما تتبع ما يزين لها الشيطان من ارتكاب المعاصي ، ومخالفة أوامر الله لمصلحة الإنسان، ولذلك فإن كانت نتيجة الصيام تحققت بنجاح في شهر رمضان فإنه يستطيع أن يكمل مشوار حياته في طاعة الله وتحقق له النصر على النفس الإمارة بالسوء ، وقد استطاع الإنسان أن يدرك فوائد طاعة الله، والاعتصام بقرآنه، ليحيا حياة طيبة ويحمي نفسه من أهوال يوم القيامة.