بعد مضي خمس عقود من عمري ،والتي مررت خلالها بمراحل متنوعة ما بين الطفولة والشباب والرجولة ،تغير فيها الشكل والمضمون ،ووصلنا لدرجة النضوج الفكري حسب ظني بنفسي ،ومع ذلك يبقى لغز الحياة غير مفهوم بالنسبة لي ،فلم استطيع حتى اليوم فهم سيناريو الحياة، والتي تمتد إلى دورك أنت فيها، وتبدأ مرحلة التساؤلات التي تطرحها على نفسك دون الوصول لإجابة شافية، مثل من أنا؟ وما الذي أريده من الحياة؟، وما الذي حققته؟
تلك مقدمة لمجموعة من الهواجس الفكرية الموجودة داخل كل إنسان والتي لا يجد لها إجابات محددة ،لان هناك عوامل خارجية تتحكم في سيناريو الحياة .
ويظل البحث عن إجابة لأي من الأسئلة السابقة محل اهتمام،فمثلا سؤال من أنا؟هو محور حياة الإنسان من الميلاد إلى الوفاة، والإجابة عن هذا السؤال بشكل واضح تحتاج إلى وقت طويل، وقد لا تستطيع أن تعرف من أنت؟ طوال حياتك.
وعلى الرغم من تلك المتاهة السابقة التي جاءت بسبب نضج الفكر ونمو العقل وارتفاع الوعي، تبقى العقيدة أحد أهم مقومات الحياة النفسية السليمة، لأن فيها الاطمئنان وفيها النجاة من هذا الصراع الداخلي الذي قد يجعلك تعيش في الحياة وأنت في حيرة من أمرك، فإجابة السؤال الصعب والأهم وهو من أنا؟ تبقى واضحة جلية مع أصحاب العقائد السليمة، فهي إجابة تريح النفس، فصاحب العقيدة يدرك أنه عبد من عباد الله جاء إلى الحياة لمهمة عبادة الله وإطاعة أمره والتسليم بما يقدر من منطلق أن قدر الله كله خير، وحتى يدرك الإنسان مفهوم العبادة لأنها ليست مقصورة على الصلاة والصيام والزكاة، ولكن العبادة تشمل كل مناحي الحياة، فالعمل عبادة والاجتهاد والجد عبادة والسير في الطريق المستقيم عبادة، والعدل عبادة وترك الظلم عبادة، والصدق عبادة ،وحب النفس والغير عبادة، وبر الوالدين عبادة، وصلة الرحم عبادة، وترك المعاصي عبادة، ومساعدة الفقراء والضعفاء عبادة، وتحمل المسؤولية العائلية عبادة، الكلمة الطيبة عبادة، الإحسان عبادة، تجنب أهل السوء عبادة، ترك النميمة والغيبة عبادة، التوكل على الله عبادة، الإيمان واليقين في تدبير الله لكل الأمور عبادة، وتوقير الكبير واحترام الصغير والبعد عن التلاسن عبادة، وطلب العلم والمعرفة بكل أنواعها وإشكالها عبادة، والإحسان إلى الجار عبادة.
وكل ما تفعله في الحياة عبادة وتقرب إلى الله، فعندما تكون صاحب عقيدة سليمة، تعرف من خلالها أن الخير مخزونه ينفع وأن الشر (دين) لابد وأن يسدد، وأن الصدق ينجي ويرفع، وأن الكذب يذل ويخفض، والمترفع عن الذنوب والمعاصي تجله القلوب، والحديث في شأن الناس دون علم مفسدة عظيمة، وأن النصح في الملأ فضيحة فهي تؤذي النفس وتوغر القلب.
هذا جزء من الصراع الداخلي عندما تنضج العقول ويترفع الوعي دون أن تكون هناك ركيزة إيمانية واضحة تجعلنا ندرك أن الحياة اختبار كبير لمدى تنفيذ التعاليم الإلهية، ولذلك نجد أن من دخل الإسلام من العلماء في أوروبا قد خرج من دائرة الصراع الداخلي، لأنه وقف من خلال علمه على اليقين ووصل إلى محطة السكينة والاستقرار النفسي، فهم أدركوا أن لهذا الكون خالقا يدبر الأمر فيه.
مواقف
*بعيدا عن فلسفة الحياة ، نعود إلى المواقف الحياتية،فلقد أدركت أن الأوفياء أصبحوا عملة نادرة في هذا الزمان الذي تصارعت فيه المصالح وحلت فيه المطامع، حتى أن من تساعده اليوم وتمنح لها فرصة، يخلعك غدا، ويتحول إلى ناكر للجميل حاقد حاسد، وهذا واقع نعيشه كل يوم من خلال تجارب نخوضها، مع من كنا نظن بهم وفيهم الخير.
ويبقى وصف الشعراء أدق وأبلغ..
يقول الشاعر محمد رباح
وإذا الشدائد أقبلت بجنودها.. والدهر من بعد المسرة أوجعك
لا ترج شيئا من أخ أو صاحب.. أرأيت ظلك في الظلام مشى معك
وارفع يديك إلى السماء ففوقها.. رب إذا ناديته ما ضيعك