مقالات

دور الكنائس العسكرية فى الجيش الروسى خلال إجتياح أوكرانيا فى دعم الشيوعية الصينية

تحليل: الدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف

 

ربما كان هذا التحليل الجديد المركب والمعقد عالمياً، والذى رصدت ملامحه الباحثة المصرية بدقة متناهية لتسجيل وتحليل كافة فصوله وسيناريوهاته لفترة طويلة، عن (العلاقة بين اللجوء الإنسانى فى ألمانيا لأسباب دينية ودور العامل الدينى فى قرار الغزو الروسى لأوكرانيا)، وهو ربما الأمر الجديد الذى لم تفرد له مساحات تحليلية كبيرة، مقارنةً بالنواحى العسكرية والإقتصادية الأخرى الخاصة بالأزمة نفسها. ورصدى هنا، لتصريحات الأميرال الألمانى “شونباخ” قائد البحرية الألمانية لضرورة (مد العلاقة بين روسيا المسيحية وألمانيا والغرب فى مواجهة الصين الملحدة الشيوعية)، ثم تحليل علاقة ذلك بالأساس بين تزايد طلبات اللجوء الإنسانى فى ألمانيا لأسباب دينية، أى بعد تغيير ديانتهم من الإسلام للمسيحية، عبر رصد الباحثة المصرية لمئات من الحالات فعلياً والترحيب الألمانى بإعطائهم حق اللجوء الإنسانى والدينى، ثم متابعتى الدقيقة لقضية “تسييس ألمانيا والغرب للديانة المسيحية فى روسيا لمواجهة الصين الشيوعية فى أزمتى أوكرانيا وتايوان، وصولاً للدور التركى الخفى فى القسطنطينية لتأجيج الصراع الكنسى الدائر بين القساوسة ورجال الدين المسيحى فى كلاً من روسيا وأوكرانيا”، حتى ساعة إعلان روسيا الحرب العسكرية الفعلية فى مواجهة أوكرانيا، وتقديمى لتلك الدراسة التحليلية المستفيضة حول (دور العامل الدينى بالأساس وتوظيف البعد الدينى المقدس للديانة المسيحية لأسباب سياسية وإستخباراتية كمحدد أساسى للصراع الراهن بين روسيا وأوكرانيا بإيعاز ودور تركى خفى عبر الكنيسة القسطنطينية فى إسطنبول).

لعبت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية الشرقية (دوراً مهماً في الجيش الروسى قبل وأثناء فترة إجتياح ودخول أوكرانيا عسكرياً)، وكان أبرز المشاهد على الإطلاق التى أستوقفت الباحثة المصرية تحليلياً بشكل عميق، هو (تحليلى الجديد لدور الكنيسة خلال العمليات العسكرية فى أوكرانيا، ومشاهدتى لتسجيلات لكنائس روسية عسكرية متنقلة خلال الصراع، بمعنى: كنائس متنقلة مهمتها مرافقة الوحدات العسكرية الروسية فى العمليات العسكرية بأوكرانيا). فباتت واحدة من أبرز المشاهد التحليلية والتفسيرية عندى، والتى أغفلها العالم كله على حساب (تحليل العمليات العسكرية ذاتها)، هى صور مباركة الكاهن للأسلحة الروسية فى ساحات القتال والمعركة ضد أوكرانيا، بل وحرص القسيس على مرافقة جنود وضباط الجيش الروسى وإقامة وتأدية الصلاة مع الجنود، وبث الحماسة فيهم بخطب دينية.

وتمكنت الباحثة المصرية من رصد وتحليل كافة المشاهد الدينية الخفية للصراع الكنسى الدائر بين القساوسة الروس والأوكرانييين، بدور تركى دينى خفى عبر البطريركية القسطنطينية فى إسطنبول بتركيا، بتسييس دورها عبر الإعتراف بإستقلالية الكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية الشرقية عن الروسية فى سبتمبر ٢٠١٨، مما صعد الأمر وصولاً للأحداث الراهنة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، وهو ما يؤكد وجهة نظر الباحثة المصرية بشكل أكاديمى وتحليلى دقيق، حول خلفيات الصراع الدينى الكنسى بين كاتدرائيات روسيا وأوكرانيا وقساوسها ورهبانها وكهنتها، عبر الدعم التركى فى القسطنطينية لأوكرانيا فى مواجهة روسيا، مما عمق من حجم الأزمة الحالية وتصاعدها عسكرياً بين الجانبين الروسى والأوكرانى بدوافع دينية كنسية بالأساس، وهو ما يمكننى تحليله لفهم وجهة نظرى العميقة إزاء ذلك، على النحو الآتى:

 

١) إنتبهت الباحثة المصرية، لمغزى تلك (العلاقة الوثيقة بين الكنيسة والجيش فى روسيا خلال عهد الرئيس “بوتين”)، والذى بدأ بتشييد القوات الروسية المسلحة (كاتدرائية مستقلة كبيرة للجيش والمؤسسة العسكرية الروسية خاصة بها) فى موسكو، والتى تم إفتتاحها فى عام ٢٠٢٠، وهى (كاتدرائية قيامة المسيح الخاصة بالقوات الروسية المسلحة) فى العاصمة موسكو، وذلك إحتفالاً بالذكرى ٧٥ لإنتصار روسيا فى الحرب العالمية الثانية، وإحتفاء بنجاحات وإنجازات الجيش الروسى وإنتصاراته العسكرية فى الحروب التى خاضها.

 

٢) وسنجد على الناحية الأخرى، مدى (التوافق الشديد بين الرئيس “بوتين” وكبار قادة الجيش الروسى وكبار القساوسة ورجال الدين المسيحى فى روسيا)، مع الحرص الدائم من قبل بطريرك موسكو القس “كيريل” على إلقاء خطب حماسية تعبر عن فخر الكنيسة الروسية الأرثوذكسية الشرقية وقساوسها وشعبها بالكرملين والجيش الروسى، مع الرد المباشر والسريع من الرئيس “بوتين” وقادة وجنود جيشه على مبادلة الكنيسة الروسية الأرثوذكسية مشاعر الفخر ذاتها. وتوقفت الباحثة المصرية عند خطاب بطريرك موسكو القس “كيريل” وحديثه فى أحد خطاباته الدينية ذات المعنى السياسى والعسكرى، حول:

“دور الكنيسة فى ضمان وحدة الشعوب الروحية فى الدول القائمة على أراضى “روسيا التاريخية”، فضلاً عن أهميتها في حماية منظومة “القيم الأرثوذكسية التى تحملها الحضارة الروسية المقدسة للعالم”

 

٣) وعلى الجانب الآخر، فلقد جاءت تصريحات الرئيس الأوكرانى “زيلينسكى” والمؤيدين له، بإعلانهم رفض العديد من الأوكرانيين دعم القس الروسى “كيريل” للمتمردين فى شرق أوكرانيا، وتحديداً فى الإقليميين المنفصلين سبب الأزمة الراهنة فى شرق أوكرانيا، وهما (دونيتسك ولوغانسك). بينما جاء رد الرئاسة الروسية فى الكرملين، بأنه “لن يتدخل فى قرارات الكنيسة الروسية الأرثوذكسية المؤيدة بمفردها دون ضغط لقرارات الرئيس “بوتين” وقادة جيشه”. وجاء تأكيد الحكومة الروسية بأن:

“السيناريو المفضل لموسكو بالطبع هو وحدة العالم الأرثوذكسى، بالإشارة لأن تلك المعلومات عن القرارات المتعلقة بالكنيسة الأوكرانية الداعمة للإنفصال التام عن الكنيسة الروسية الأرثوذكسية تثير القلق فى روسيا، كما أن ذلك الصراع بين رجال الدين فى أوكرانيا وروسيا، يعد “شأناً يخص الحوار بين الكنائس فى نهاية الأمر، ولا يمكن للدول التدخل فيه”

٤) ويعتبر بطريرك موسكو وعموم روسيا القس الروسى “كيريل” حليفاً للرئيس الروسى “فلاديمير بوتين”، ويعارض بشدة إستقلال “بطريركية كييف فى أوكرانيا”، والتى تحاول الفوز بإعتراف “بطريركية القسطنطينية فى تركيا”. وترى روسيا فى أوكرانيا بأنها بمثابة (المهد الحقيقى التاريخى للكنيسة الأرثوذكسية الروسية).

 

٥) وفى إعتقادى الشخصى، وبتحليلى “لمحورية الدور الدينى التركى فى القسطنطينية بشأن الصراع الكنسى الدائر بين روسيا وأوكرانيا”، وما يمكن أن يحمله المستقبل من مفاجآت بالنسبة للتدخل التركى فى الأزمة الأوكرانية الروسية من باب آخر جديد، وهو “العامل الدينى”، وبالنظر لإعتبار تركيا هى المقر الرئيسى ل “بطريركية القسطنطينية الأرثوذكسية المسكونية”، والتى تتخذ من إسطنبول مقراً لها، ويحمل بطريركها لقب “البطريرك المسكونى”، وهو الزعيم الروحى لأكثر من ٣٠٠ مليون مسيحى أرثوذكسى حول العالم. وهنا تأتى الخطورة فى (إشتراط الحكومة التركية على من ينتخب لهذا المنصب الكنسى الدولى الهام. بأن يكون حاملاً للجنسية التركية).

 

٦) ومن خلال تحليلى لتطورات المشهد الفعلى بين (تركيا وأطراف الأزمة الأوكرانية والروسية)، فلقد شعرت فعلياً بوجود “دور تركى خفى فى إشعال تلك الأزمة الكنسية والدينية الخاصة بالخلاف بين الكنيستين الأرثوذكسيتين فى روسيا وأوكرانيا”، بالنظر إلى (قرار الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بقطع “علاقاتها الدبلوماسية” مع بطريركية القسطنطينية فى تركيا فى سبتمبر ٢٠١٨ لدعمها للكنيسة الأوكرانية فى مواجهة روسيا)، وذلك بما لديها من سلطة على أكثر من ٣٠٠ مليون مسيحى أرثوذكسى، فضلاً عن سلطتها على آلاف الكاتدرائيات والكنائس الأرثوذكسية حول العالم. وكان ذلك واضحاً مع (إعتراف بطريرك القسطنطينية فى تركيا القس “بارثلماوس” فعلياً بإستقلال كنيسة أوكرانيا فى سبتمبر ٢٠١٨ عن بطريرك موسكو القس “كيريل”)، وهى خطوة إعتبرتها السلطات الروسية بتسييس الدين وتوظيفه من قبل تركيا لأغراض سياسية بحتة.

 

٧) ويمكننى تحليل الموقف الروسى إزاء التدخل المسيس من قبل “الكنيسة القسطنطينية فى إسطنبول”، بتصعيد الموقف الروسى من قبل “البطريرك الروسى كيريل” وإعلانه مقاطعته للكنيسة القسطنطينية فى تركيا، ومقاطعته لإسم “بطريرك القسطنطينية بارثلماوس” وعدم ذكره فى صلواته. ثم تصعيد الموقف الروسى الكنسى بشكل أكبر عبر (إعطاء أوامر كنسية عليا فى روسيا بدوافع سياسية وإستخباراتية واضحة بتوقف جميع الكهنة في الكنائس والأديرة التابعة لبطريركية موسكو عن ذكر إسم البطريرك القس المسكونى “برثلماوس” فى كافة صلواتهم).

 

٨) كما جاء (التوظيف السياسى للدين فى روسيا، عبر التهديد الذى أعلنته بطريركية موسكو بالإنفصال التام عن البطريركية القسطنطينية فى تركيا)، خاصةً فى حال إستمرار تلك “الأنشطة المعارضة للقانون الكنسى من قبل بطريرك القسطنطينية بارثلماوس”. وجاء وصف (الأسقف هيلاريون)، وهو المسؤول عن العلاقات الخارجية فى بطريركية موسكو لهذا التطور، بوصفه:

“إن مساعدة ودعم البطريركية القسطنطينية فى إسطنبول بتركيا للبطريركية الأوكرانية فى مواجهة روسيا، هو بمثابة إنهيار حقيقى فى العلاقات الكنسية بين روسيا وأوكرانيا بمساعدة القسطنطينية، وهو ما قد يماثل قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول”

٩) وهنا، وبناءً على (ربطى السابق للأحداث الدينية الداخلية فى روسيا والصراع الكنسى الدائر بين القساوسة الروس والأوكرانييين)، فإن ذلك قد تمثل فى ذهنى بشكل دقيق، خلال توقفى طويلاً للتأمل فى واحدة من أبرز الأحداث التى إستوقفت الباحثة المصرية، وهى تصريحات قائد البحرية الألمانية الأميرال (كاى أشيم شونباخ) خلال حضوره لإجتماع لمجموعة دراسات عقد فى العاصمة الهندية “نيودلهى”، فى وصفه إتهامات أعضاء حلف شمال الأطلسى “الناتو” لروسيا بالتحضير لغزو أوكرانيا، بأنه: “إنطلاقاً من كونه رجلاً مسيحياً كاثوليكياً متديناً، فهو يظن أنهم فى حاجة إلى روسيا المسيحية فى مواجهة الصين، وهنا لا يهم فى ذلك أى ديانة يعتنقها الرئيس الروسى “بوتين” نفسه سواء كان مسيحياً أو ملحداً”. وهو مقطع الفيديو الذى إنتشر عالمياً بشكل غير متصور، رغم تأكيد الأميرال “شونباخ”، بأنها تصريحات شخصية تعبر عن قناعاته وفلسفته الشخصية وليست رسمية أو تعبر عن التوجه العام للدولة الألمانية أو لسياسة أعضاء حلف “الناتو”.

١٠) إلا أن تلك التصريحات قد تسببت للأميرال “شونباخ”، فى ثورة عارمة سواء داخل الصين أو روسيا ذاتها، واللتين دارت التحليلات داخل دوائرهما، بأن ما يحدث هو:

“ربما محاولات إستخباراتية ألمانية غربية تقودها واشنطن، للخلط بين الدين والسياسة، والتسبب فى فوضى عالمية، بسبب سياسة المغالطات الأمريكية فى إستخدام ورقة الدين لأسباب سياسية، أو ما أصبح يعرف فى الصين، بأنه “تسييس أمريكى متعمد لكافة القضايا فى الصين وروسيا، والتى ربما أتى أو ظهر آخرها فى “تسييس ملف الدين لأسباب أمنية وعسكرية”

١١) وربما كانت متابعتى الدقيقة لقرار الغزو الروسى لأوكرانيا، مقروناً بقراءة بعض “التلميحات غير المباشرة من بعض المؤرخين فى الغرب”، ورؤيتهم التفسيرية، بأن (العامل الدينى ربما قد لعب دوراً في قرار الغزو الروسى لأوكرانيا، فقد كان ذلك من المؤشرات الأساسية على رغبة بوتين فى الربط بين الكنيستين الأرثوذكسيتين فى روسيا وأوكرانيا، لجعل الكنيسة الأرثوذكسية رأس حربة فى مشروعه لإعلاء القومية الروسية بمظاهر دينية مسيحية، وإعطاؤها بعد قومى)، كأداة قوية لدعم أيديولوجيته السياسية فى روسيا، وتغذية ومضاعفة البعد القومى الذى تم التمهيد له بتوظيف دينى له شأنه وإعتباره المخابراتى فى فكر “بوتين”، بما يمهد لروسيا أن تكون قوة عظمى مسيحية كبرى حول العالم وربطها بالبعد القومى لدى شعبه لإحياء الإرث السوفيتى والتاريخى القديم لوطنه.

١٢) وسنجد بأن الرئيس “بوتين” كان رافضاً لفكرة فصل الكنيستين الأرثوذكسيتين الأوكرانية والروسية عن بعضهما البعض، لذلك فقد بذل “بوتين” جهوداً كبرى فى (دعم الكنيسة الأرثوذكسية مادياً ومعنوياً وسياسياً قبل إجتياحه لأوكرانيا كعامل جذب للجماهير فى الناحيتين حوله، ولحشد المسيحيين حول العالم حوله أيضاً)، بدءاً من خطته لإستعادة مقتنيات الكنائس التي تم بيعها والإستغناء عنها خلال الحقبة الشيوعية القديمة من تاريخ روسيا، والأهم (حرص “بوتين” على بناء آلاف الكنائس والكاتدرائيات وتجديد الباقى، إلى جانب إدراج مادة عن الثقافة الأرثوذكسية فى المناهج الدراسية).

١٣) وربما كان تحليل الباحثة المصرية متفقاً مع ما ذهبت إليه المؤرخة الأمريكية البارزة “ديانا باتلر باس”، المختصة بتأريخ المسيحية حول العالم. حيث جاءت خلاصة إستنتاج فكر المؤرخة “باتلر باس” بأن (الغزو الروسى لأوكرانيا، ليس إلا فصلاً جديداً من إعادة الإرث السوفيتى والتاريخى القديم) من وجهة نظر “بوتين”، لذلك فالهدف الرئيسى من حرب “بوتين” على أوكرانيا هو رغبته بإحياء تلك المشاعر القومية القديمة الدينية المقدسة، عبر “الإحتفال بقداس عيد الفصح فى العاصمة الأوكرانية “كييف”.

١٤) فلقد وجدت الباحثة المصرية، فى هذا الطرح الجديد للمؤرخة الأمريكية “ديانا باتلر باس”، بأن له بالفعل بعض إعتباراته الوجيهة تحليلياً، بالنظر لرؤية المؤرخين والقساوسة المسيحيين فى العالم، بأنه:

“تعد العاصمة الأوكرانية “كييف” بالنسبة للمسيحيين الأرثوذكس بمثابة القدس بالنسبة للمسيحيين ولكافة الأديان السماوية أيضاً حول العالم، لذلك فإن الصراع “على أوكرانيا هو أيضاً صراع على أى كنيسة أرثوذكسية ستطبع وجه شرق أوروبا”

١٥) لذلك حاولت الباحثة المصرية العودة للتاريخ الروسى القديم، لفهم وإستيعاب (مدى أهمية الديانة المسيحية كمحدد وعامل مقدس فى تاريخ الدولة القيصرية السوفيتية القديمة، ومدى علاقتها بالدولة الروسية الحديثة النشأة وبالرئيس “بوتين”)، بل والأبرز عندى، هو: ما إذا كان هذا العامل أو الإعتبار الدينى المقدس واضحاً فى ذهن الرئيس الروسى “فلاديمير بوتين” خلال غزوه لأوكرانيا؟، فجاءت نتيجة تحليلى لذلك الأمر الجديد أكاديمياً، هو:

“أن العملية العسكرية التى أعلنها الروس ضد أوكرانيا، لا تقل أهمية عن تلك “الحملة الصليبية لإستعادة الأراضى الأرثوذكسية المقدسة من الهراطقة الغربيين”

 

١٦) فلقد وجدت الباحثة المصرية، بأن السبب فى ذلك الغزو الروسى لأوكرانيا، ربما (يعود جزء منه فعلياً إلى رمزية كبرى تتحلى بها مدينة “كييف” كعاصمة لأوكرانيا فى تاريخ المسيحية الأرثوذكسية)، إذ أنها لعبت دوراً تأسيسياً فى تاريخ الحقبة السوفيتية، بالنظر لكون “كييف” تعد هى الموطئ الأول للمذهب المسيحى الأرثوذكسى الوعى الجمعى الروسى بل والعالمى.

 

١٧) ولعل السبب السابق مباشرةً للعلاقة بين (الأهمية الدينية المقدسة لمدينة “كييف” وبين غزو الرئيس “بوتين” لها)، جعلت الباحثة المصرية تعيد مرة أخرى قراءة تحليل خطير أدركت مدى أهمية طرحه وخطورته الآن للصحفى والقس البريطانى “جيل فرايزر”، وذلك فى مقال منشور بالفعل على موقع “آن هيرالد”، للمقارنة بين أوجه التشابه بين الرئيس “فلاديمير بوتين” اليوم، وبين “فلاديمير الأول”، وهو أمير مدينة “كييف” بين عامى ٩٧٨ و ١٥١٠، والمسمى ب “فلاديمير الكبير”.

١٨) وبناءً على ذلك، نجد أن “بوتين”، وبغض النظر عن قناعاته الدينية الشخصية، ربما أراد من خلال أزمة أوكرانيا (توظيف القيم المسيحية التقليدية الأرثوذكسية من أجل التأثير السياسى وإعادة إنعاش المبادئ القومية لدى المواطنين الروس). ولكن على الناحية الأخرى، فربما كان الأمر لا يعدو سوى أن (إستخدام وتوظيف البعد الدينى وربطه بالقومى عند الرئيس “بوتين”، كان مجرد أداة وظيفية لتحقيق أهدافها فى مواجهة أوكرانيا)، إذ يحرص “بوتين” على إظهار جانب دينى أو متدين عند إظهار صورته العامة أمام الجماهير، بالرغم من تكتمه الشديد حول نشأته وحياته الخاصة.

 

١٩) وربما كان (التوظيف المخابراتى للرئيس “بوتين” لسلاح الدين والتدين عند غزوه لأوكرانيا، قد تم توظيفه وإستخدامه بعناية خلال فترة وجيزة للتأكيد على فكرته)، فلقد حرص الرئيس “بوتين” على وضع (قلادة صليبية تنم عن تدينه المسيحى)، وكانت لا تفارق رقبته، بل وتعمد أحياناً إظهارها علناً فى أحيان أخرى قبيل غزوه لأوكرانيا، وإنتشرت أقاويل حللتها الباحثة المصرية بشكل أكاديمى بأن لها ربما (دوافع مخابراتية لجهاز إستخبارات الرئيس “بوتين”)، بأن تلك السلسلة أو القلادة كانت هدية من والدته المسيحية وأسرته المسيحية الأرثوذكسية المتدينة فى يوم تعميده بالكنيسة عند مولده فى بداية الخمسينيات، وذلك كإشارة تحليليلة لإستخدام البعد الدينى فى نشأته وربطه بالوضع الراهن الذى يقصده من وراء غزو أوكرانيا، بشأن (إعادة أمجاد الدولة السوفيتية القديمة فى إحياء المسألة الدينية المسيحية الأرثوذكسية، وعدم قبول مبدأ إنفصال الكنيسة الأوكرانية عن إمتدادتها داخل روسيا).

 

٢٠) وربما كان الشرق الأوسط حاضراً فى إستخدام الرئيس “بوتين” لسلاح الدين والتدين المسيحى، وإرتدائه بشكل دائم علنياً لتلك (السلسلة الكبيرة أو القلادة حول رقبته الخاصة بعلامة الصليب المسيحية)، والتى أشار الرئيس “بوتين” مرة إلى أنها بركة قد حصل عليها خلال زيارته لقبر المسيح عيسى، وذلك (خلال زيارة قام بها الرئيس “بوتين” إلى إسرائيل أثناء عمله ضابطاً فى جهاز الإستخبارات الروسية فى فترة التسعينيات).

 

٢١) كما حرص الرئيس “بوتين” أيضاً على (الترويج الدائم لتدينه وتغليف حديثه بمنطلقات دينية مسيحية تلف حوله الأغلبية السكانية من الجماهير المسيحية الأرثوذكسية المتدينة فى روسيا والحدود المتاخمة أو المجاورة لها)، عبر ترويج “بوتين” بأن تلك القلادة على شكل أو هيئة صليب، مزودة ببركة المسيح، فلقد كانت من الأغراض القليلة التى نجت من حريق أتى على منزل عائلته بأكمله، إلا أنه رغم الحريق، فقد حفظها الرب من بركته. ومن هنا، فقد فهمت الباحثة المصرية، بأن (كل تلك التفاصيل والقصص والحكايات التى بات يروجها الرئيس “بوتين” حول الصليب وبركة المسيح وقضية تدينه ونشأته وتعميده وغيرها، كانت كأنها “تبدو منتقاة ومختارة” بعناية شديدة كى تعطيه بعداً أسطورياً، ولتثبيت صورة “بوتين” كشخصية مؤمنة بين أبناء شعبه الروسى والشعوب المسيحية المتدينة حول العالم).

 

٢٢) وبناءً على فكرة حرص الرئيس “بوتين” وجهاز مخابراته على إبراز البعد الدينى له، وذلك قبل إجتياحه عسكرياً لأوكرانيا، فلقد أدركت الباحثة المصرية بالعودة فقط للتاريخ، بأن هنالك (ثمة تشابه كبير بين الرئيس الروسى الحالى “فلاديمير بوتين” وأمير كييف المسيحى “الإمبراطور فلاديمير”، وحربهما المشتركة فى قمع والقضاء على الإنفصاليين والمتمردين عليهم). فمثلاً ستجد أن “الإمبراطور فلاديمير” فى أوكرانيا، قد عمد بعد الإحتفال بنصره على كافة هؤلاء المتمردين عليه، إلى “إعتناق المسيحية وجعلها ديانة لشعبه الأوكرانى أيضاً”. ومن هنا، ونظراً لأهمية تلك اللحظة المؤسسة فى التاريخ الروسى، يمكننا تصور أن الرئيس الروسى “بوتين” قد قرأ تاريخ أمير كييف المسيحى “الإمبراطور فلاديمير”، لذلك، فهو يطمح لإستعادة مدينة كييف، بإعتبارها “المدينة الأم للأرثوذكسية الروسية”، تذكيراً بأمجاد “فلاديمير الكبير”.

٢٣) وربما كانت تلك المقدمة وهذا التحليل الجديد عالمياً، هو طريقة الفهم المثلى لتصريحات الأميرال “شونباخ”، والربط بينها وبين كافة البيانات الرسمية الصادرة من الحكومة الألمانية لإنكار ورفض ما صرح به الأميرال “شونباخ” بشأن “المشترك المسيحى المقدس بين روسيا وألمانيا والغرب”، وجاء أول تحرك رسمى من قبل “وزارة الدفاع الألمانية”، لرفض تلك التصريحات، والتأكيد على أنها “لا تطابق إطلاقاً موقف وزارة الدفاع الألمانية”. وهو الأمر الذى دفع وزيرة الدفاع الألمانية “كريستين لامبريشت” بطلب عقد إجتماع عاجل عبر الفيديو مع قائد هيئة الأركان الألمانية “إيبرهارد زورن” لتحديد كيفية معالجة هذه القضية وتلك الأزمة الكبيرة الخاصة بتصريحات الأميرال “شونباخ”، بالنظر لتسببها فى إحراج موقف ألمانيا دولياً. كما أثارت تصريحات “شونباخ” على الجانب الآخر كذلك، إستياءً شديداً بين أعضاء حكومة المستشار الإشتراكى الديمقراطى ذاته “أولاف شولتس” والمقربين منه.

٢٤) ولكن جاء الأمر مختلفاً عند الباحثة المصرية، والتى تواجدت لمدة عام للدراسة فى “مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة لوند بالسويد”، وقربها الشديد خلال تلك الفترة، وحتى هذه اللحظة من عدد من العرب والمسلمين من فئة طالبى اللجوء سواء (لأسباب سياسية أو إنسانية ومنها بالطبع تلك الدينية الخاصة بتغيير العقيدة أو الدين). فالملاحظة، هو طلب المئات من طالبى اللجوء المسلمين والعرب، غالبيتهم “إيرانيون وأفغان”، وتبريرهم طلب اللجوء لأسباب إنسانية، وتحديداً دينية، بالنظر لتغيير ديانتهم من الإسلام إلى المسيحية، وهو ما يقابله خطر شديد على حياتهم فى أوطانهم الأصلية. وفى ألمانيا كذلك، توالت طلبات اللجوء لأسباب دينية، وتغيير عدد من المسلمين والعرب لديانتهم فى (كنيسة ترينيتى الإنجيلية) فى ضواحى العاصمة “برلين”.

٢٥) وأستوقفنى على المستوى الشخصى والأكاديمى والتحليلى، تحليل مهم فى هذا الشأن للمستشارة الألمانية السابقة “أنجيلا ميركل”، كانت قد صرحت فيه بأن ما تشهده ألمانيا الآن من تزايد طلبات اللجوء لأسباب دينية، هو أمر من شأنه “تغيير بلادنا فى السنوات المقبلة”، والأخطر عندى، هو تأكيد المستشارة “أنجيلا ميركل”، بأن: “ألمانيا ستمنح الحماية لأولئك الذين يحتاجونها بسبب تغيير ديانتهم، لكن الذين لم يحصلوا على حق اللجوء سوف يضطرون للعودة إلى أوطانهم بسرعة”.

٢٦) فكان من بين أبرز المسلمين الذين غيروا ديانتهم إلى المسيحية فى ألمانيا، هو اللاجئ الأفغانى “محمد على زنوبى”، والذى أصبح يدعى “مارتن”، حيث ظهر فى مقطع فيديو خلال تنصيره ودخوله وإعتناقه للمسيحية على يد وإشراف القس الألمانى “مارتنز غوتفريد”، والذى كان يرش عليه الماء المقدس، بسؤاله: “هل ستبتعد عن الشيطان وأعماله الشريرة؟ هل ستهجر الإسلام؟”، فيجيبه اللاجئ الأفغانى “محمد على زنوبى”… بنعم”.

٢٧) وعند سؤال القس الألمانى “مارتنز غوتفريد”، حول مدى إقتناعه بمسألة تنصير البعض ودخوله المسيحية من أجل طلب اللجوء لأسباب دينية فى ألمانيا، كانت المفاجأة بالنسبة للباحثة المصرية شخصياً، هى تأكيدات القس “غوتفريد” حرفياً بالتأكيد:

“أنه يعلم جيداً بأن البعض غير ديانته من أجل تحسين حظوظه فى البقاء فى ألمانيا، ولكنه لا يعتبر ذلك مهماً حيث أن الغالبية، حسب رأيه، تعتنق المسيحية عن قناعة، نظراً لأن ١٠% فقط ممن تحولوا إلى الديانة المسيحية لم يعودوا إلى الكنيسة بعد التعميد”

٢٨) وهنا، يذكر أن التحول من الإسلام إلى المسيحية فى دول، مثل: (أفغانستان أو إيران)، قد يمكن أن تصل عقوبته إلى السجن او الإعدام، وبالتالى فإنه من غير المحتمل أن تقوم المانيا بترحيل اللاجئين الإيرانيين والأفغان إلى أوطانهم بعد إعتناقهم للديانة المسيحية. كما (لا تذكر أغلب أسماء المرشحين للمعمودية فى الكنيسة أى للدخول إلى الديانة المسيحية فى كنائس أوروبا وألمانيا عموماً، خوفاً من تداعيات ذلك الأمر على أسرهم في أوطانهم الأصلية).

٢٩) وتزايدت الشكاوى فى عدد كبير من كنائس أوروبا والقساوسة بها، فضلاً عن الدول الأسكندنافية المسيحية، مثل: (السويد، الدنمارك، فنلندا، النرويج)، بأن الكنائس عندهم تشكو بسبب تضاؤل وقلة أعداد المؤمنين أى الذين يأتون للكنيسة ويواظبون على الصلاة والعبادات، وهنا قرأت الباحثة المصرية تصريح للقس الألمانى مارتنز غوتفريد”، والذى يرى فيه بأن “مجموعته من المتحولين للمسيحية من الإسلام قد تضاعف من ١٥٠ لاجئاً إلى أكثر من ٦٠٠ شخصاً مؤمناً متحولاً للديانة المسيحية، وذلك خلال عامين فقط، بفضل اللاجئين الجدد، وبالأخص هؤلاء المسلمين المتحولين من الإسلام إلى المسيحية”.

٣٠) ولعل الأمر الأخطر والجدى عند الباحثة المصرية، هو (تعمد سفر معظم هؤلاء المسلمين والعرب من مقدمى طلبات اللجوء لأسباب إنسانية دينية من أجل التحول للمسيحية فى ألمانيا إلى حيث محل إقامة القس الألمانى “مارتنز غوتفريد”)، فلقد جاء بعض هؤلاء مقدمى طلبات اللجوء من مدن بعيدة فى ألمانيا، مثل: (مدينة روستوك قرب بحر البلطيق)، نظراً لأن القس “مارتنز غوتفريد” قد بات معروفاً بمساعدة الجميع، وبالأخص المسلمين المتحولين للمسيحية فى نجاح وتمرير طلبات اللجوء لأسباب دينية إنسانية، وأصبح ذلك من الأمور المتداولة فى “مجتمع اللاجئين الألمانى، خاصةً هؤلاء اللاجئين الجدد”.

٣١) والمفارقة أو التحليل والتفسير، والذى ربما جعلنى أتوقف كأكاديمية عند تصريحات الأميرال الألمانى “شونباخ” بشأن ربطه لعنصر التقارب الروسى – الألمانى وبلدان الغرب، بالنظر لديانة الأغلبية الروسية والألمانية وهى المسيحية، ثم (تحليل مدى جديتها عنده سواء لأسباب شخصية تتعلق به أو لمصالح تمس دولته الألمانية، خاصةً مع ما تشهد ألمانيا من تدفق غير مسبوق من الساعين للحصول على اللجوء لأسباب دينية خاصة بتغيير العقيدة الإسلامية إلى المسيحية)، مع تنبؤ كافة التوقعات، بأنه ربما سيتضاعف عدد مقدمى طلبات اللجوء والمهاجرين إلى ألمانيا، بمعدلات كبيرة تقترب من ٨٠٠ ألف لاجئ لألمانيا أو مهاجر، أى أكثر من الأعوام الماضية التى أستوعبتها الدولة الألمانية بأربع أضعاف.

٣٢) أما عن تحليلى الأكاديمى لتصريحات الأميرال الألمانى “شونباخ” بشأن إستخدام (عنصر الدين فى السياسة، ولإدارة الصراع السياسى بين الصين والعالم عبر ورقة ضغط جديدة، متعلقة بعنصر الدين المسيحى، بإعتباره دين الأغلبية فى الدولة الروسية)، بل والجديد عندى هو رؤية “شونباخ” لكيفية إستخدام عنصر الدين المسيحى فى تلك المواجهة الجديدة للصين الشيوعية. وفى إعتقادى ووفقاً لرؤيتى للواقع كما ذكرت فى مقدمة التحليل، فإن هناك ما يدعم فعلياً تلك النظرية أو الطرح الجديد، والخاص ب “تسييس الدين لأسباب سياسية “، وذلك بالنظر لأن مدينة موسكو عاصمة روسيا، تعد هى (عاصمة الديانة المسيحية الأرثوذكسية الشرقية فى العالم)، فهى تضم “مقر بطريرك الكنيسة الروسية الأرثوذكسية”، كما سميت موسكو بذلك، نظراً لكثرة كنائسها، حتى أنها قد لقبت بأنها “مدينة الأربعين أى الأربعين كنيسة”. كما أن الديانة المسيحية هى السائدة فى “شبه جزيرة القرم”، والتى ضمتها روسيا عام ٢٠١٤ من أوكرانيا.

٣٣) كما أن إعلان الكنيسة الأوكرانية إنفصالها عن الكنيسة الروسية، قد شكل “ضربة خطيرة لطموحات الرئيس “بوتين” والكنيسة الروسية على مستويات عدة، إذ يمثل الأوكرانيون الأرثوذكس ٣٠% من مجمل المسيحيين التابعين لبطريرك موسكو”. ويعنى إنفصال الكنيسة الأوكرانية عن الروسية، هو (خسارة ملايين الأتباع، وخسارة ملايين الدولارات من أملاك الكنيسة). وفى هذا السياق، يرى البعض أن أحد العوامل الممهدة للغزو الروسى الراهن، كان هو (إنفصال الكنيسة الأوكرانية عن الكنيسة الروسية فى سبتمبر عام ٢٠١٨، إذ كانت جزءاً منها منذ عام ١٦٨٦).

٣٤) فعند إعلان الإنفصال عام ٢٠١٨ بين الكنيسة الأوكرانية عن الروسية، فلقد وصف الرئيس الأوكرانى السابق “بترو بوروشينكو”، بأنه: “يشكل إنتصار للشعب المؤمن فى أوكرانيا على شياطين موسكو”. فيما لام الرئيس “بوتين” على السياسيين الأوكرانيين على “التدخل في شؤون الكنيسة، وحقه فى حماية حق بلاده فى حماية “حرية العبادة”.

 

٣٥) كما أن إعلان إستقلال الكنيسة الأوكرانية عن الروسية، قد أدى إلى (إحداث إنقسام أوسع على مستوى الكنائس الأرثوذكسية فى روسيا وعلى حدودها)، خاصةً مع إعلان الكنيسة الروسية إنفصالها عن العائلة الأرثوذكسية، إحتجاجاً على دور رجل الدين “برثلماوس الأول”، بطريرك القسطنطينية المسكونى، فى (إصدار مرسوم الإعتراف بالكنيسة الأوكرانية الجديدة فى مواجهة الروسية).

٣٦) وحاولت الباحثة المصرية هنا عمل ربط غريب وجديد فى حينها، ما بين تصريحات “شونباخ”، وبين تصريحات خطيرة لرائد الفضاء الروسى التاريخى المعروف عالمياً “كراسنوف”، والمعروف بإلحاده، ومعاداته لكل ما هو دينى فى الدولة، فبعد تداول رائد الفضاء الروسى “كراسنوف” للمقولة ذائعة الصيت والمنسوبة بالأساس إلى رائد الفضاء التاريخى الروسى “جاجارين”، عندما قال بعد تنفيذ مهمته فى الفضاء بنجاح، بتساؤله: “لقد صعدت إلى الفضاء ولم أر الله هناك”، وكانت تلك العبارة بالذات تعد واحدة من أبرز المقولات الدعائية التأسيسية للشيوعية السوفيتية “الملحدة”. لذلك، لم يكن “كراسنوف” يتوقع أبداً، أن (يتم تقديمه للمحاكمة فى روسيا بتهمة “قلب نظام الحكم وشكل الدولة فى روسيا”، نتيجة نقاشاته على الإنترنت، والتى وصف خلالها الإنجيل بأنه “مجموعة من قصص وأساطير يهودية ليست إلا محض هراء”)، وذلك من وجهة نظره.

٣٧) وفى مارس من عام ٢٠١٦، تم إقتحام منزل رائد الفضاء الروسى “كراسنوف” من قبل عناصر من الشرطة الروسية، قبل أن يتم إخضاعه من قبل قاض إتحادى لطلب (الكشف العقلى عن سلامة قواه العقلية والنفسية ومدى إتزانه للتأكد من أهليته للمحاكمة بتهمة “إهانة مشاعر المؤمنين”، وكانت تعد هى التهمة الأغرب ربما فى تاريخ روسيا كلها منذ الحقبة السوفيتية)، ولم يكن “كراسنوف” أو غيره يتوقعون جدية حكومة الرئيس الروسى “بوتين” فى تطبيقها، إلى أن أعلن عن تلك التهمة رسمياً فى مواجهته فى منتصف عام ٢٠١٣.

٣٨) والشئ اللافت تحليلياً للباحثة المصرية فى هذا الإطار، هو “تحليل مدى جدية وخطورة بل ودلالك التوقيت” الذى أقر فيه الرئيس الروسى “فلاديمير بوتين” قانوناً مثيراً للجدل يجرم فيه إهانة مشاعر المتدينين بالبلاد، وينص على (عقوبة السجن لمدة تصل إلى عام، إذا صدر الفعل “المهين” خارج أماكن العبادة، وقد تصل إلى ثلاث سنوات إذا صدر داخل أحد هذه الأماكن).

٣٩) وبالنظر لإنتباه الأميرال الألمانى “شونباخ” حول الأغلبية المسيحية فى روسيا، وبرجوع الباحثة المصرية إلى عدد من الأبحاث الأكاديمية حول هذا الشأن، فيلاحظ بأنه لا توجد أى إحصائيات رسمية حول الدين أو أعداد المنتسبين للدين فى روسيا، وتستند التقديرات إلى عدد من الدراسات الإستقصائية فقط. فحسب إحصائية (مركز الأبحاث الأمريكى) فى عام ٢٠١٠، فتقدر بأن أكثر من ٧٤% من سكان روسيا مسيحيين. بينما يشير (كتاب حقائق وكالة الإستخبارات الأمريكية عن العالم) والصادر عام ٢٠١٠، إلى أن ٧٢% من الروس هم مسيحيين. ونفس النسب تقريباً قد قدرتها عدد من مراكز الفكر والإحصائيات العالمية، مثل: (مؤسسة أرينا، إحصائيات مركز ليفادا)، وغيرها. وتنتمى حوالى ٩٥% من الأبرشيات الأرثوذكسية المسجلة إلى (الكنيسة الروسية الأرثوذكسية)، فى حين أن هناك عدداً أقل من الكنائس ذات الطوائف الكنسية الأخرى. مثل: (الكنائس البروتستانية، أو كنائس خاصة لطائفة اليهود المسيحيين، أو ليهود تحولوا إلى المسيحية). وتتواجد عدد من الكنائس المسيحية الشرقية الأخرى، مثل: (كنيسة المؤمنين القدماء، الكنيسة البيلاروسية، الكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية، كنيسة المشرق الآشورية، الكنيسة الأرمنية الرسولية)، وغيرها.

٤٠) فمن خلال متابعتى للمشهد فى الصين كخبيرة فى الشأن السياسى الصينى، فلقد وجدت بأن هنالك (تخوفات غامضة فى المكتب السياسى للحزب الشيوعى الحاكم فى الصين من تلك الدعوات الغربية والألمانية بالأساس الداعمة لقيام تحالف مسيحى كبير يضم روسيا كدولة مسيحية كبيرة مع ألمانيا والغرب فى مواجهة الصين الملحدة الشيوعية). وهى تحديداً تلك التصريحات التى أطلقها بالأساس قائد البحرية الألمانية الأميرال “كاى أشيم شونباخ”، ولكنه بسببها قد إضطر لتقديم إستقالته، بسبب تصريحاته التى أحرجت ألمانيا وأغضبت أوكرانيا ذاتها فى مواجهة السياسات الألمانية الداعمة لروسيا بحكم الإشتراك فى الديانة أو العقيدة المسيحية سوياً.

٤١) ولتوضيح النقطة السابقة مباشرةً، ومن خلال فهمى للوضع ونمط التفكير الصينى بالأساس المتخوف من (دخول عنصر “الدين” كموجه للصراعات وحشد الدول والأنظمة والشعوب فى مواجهتها)، وهو بالطبع ما لا تحبذه الصين، مثل حالة مسلمى الأيغور فى شينغيانغ، ففى ذات الإطار، تخوفت القيادات العليا فى المكتب السياسى للحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، بسبب ما قد إعتبروه بأن “ألمانيا والغرب ربما سيستخدموا سلاح الدين المسيحى المشترك مع روسيا لمواجهة النفوذ الصينى بمفردها باللعب على وتر وحساسية مسألة الدين وليس السياسة”، خاصةً مع ما رآه قائد البحرية الألمانية الأميرال “كاى أشيم شونباخ” من دعوته الصريحة والجديدة فى مضمونها بالنسبة للصين، بالتأكيد على:

“نحن فى حاجة إلى روسيا المسيحية فى مواجهة الصين الملحدة الشيوعية”

٤٢) فدارت الهمسات الخافتة داخل الحزب الشيوعى الصينى وقياداته العليا، بسبب ما إعتبروه بأنه يعبر عن (مدرسة تفكير غربى وألمانى قابلة للتطور مع الوقت بإدخال عنصر الدين فى السياسة، والخلط المتعمد بينهما)، وهو ما دارت مشاورات خافتة بسببها من قيادات الصين، من أجل لفت نظر وإنتباه روسيا للعبة الألمانية والغربية التى تقودها واشنطن فى مواجهتهما، وهو ما جاء فى شكل عبارات مطمئنة بأن:

“تلك اللعبة الدينية، بالخلط بين عنصرى الدين والسياسة، يعرفها بوتين تماماً، ويعلم كافة أبعادها”

وبناءً على هذا التحليل الجديد الشامل، وبفهمنا لطبيعة المخاوف الصينية بتسييس الدين وتوظيفه فى الصراع السياسى والعسكرى بين روسيا وأوكرانيا، وجعل (الدين كمواجهة عالمية كبرى بين دول مسيحية فى مواجهة السياسات الملحدة الشيوعية للصين، وفقاً لتصور ألمانيا والغرب معها). لذلك فقد رفضت الصين منذ البداية إتخاذ أى موقف واضح، بشأن محاولات الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبى دفعها والزج بها لمعارضة أو موافقة مواقف روسيا والرئيس “بوتين”، بخصوص الإعتراف الروسى بالإنفصاليين فى شرق أوكرانيا، وتحديداً فى إقليمى “دونيتسك ولوغانسك”، وذلك تحسباً من الصين لأى سيناريوهات تزج بالدين فى أى صراع سياسى فى مواجهتها.

 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى