قصص وحكايات

قراءة للجانب الإنساني في شخصية الكاتب حسام أبوالعلا.. بقلم د. سعدية العادلي

القاهرة – داليا فوزي
قراءة للجانب الإنساني في شخصية الكاتب
قيمة أي عمل أدبي تكمن في نوعية الانطباعات التي نتركها في نفس القارئ، وهذا الانطباع هو الدليل الوحيد على الوجود الحي للعمل الأدبي. وانطلاقًا من هذا الوجود الحي للعمل الأدبي، فالقصة الأولى المعنونة بـ”صوت من الماضي” وهي العنوان الرئيسي للكتاب، نجد أن الماضي مسيطر على مشاعر الكاتب.
وعندما نتتبع كتابات الأديب الإعلامي حسام أبو العلا، ومنذ كتابه الأول المعنون بـ”الكيس الأسود”، نجد قصة الجدة ومكانتها في القرية، والطفل الصغير القابع بجوارها، المتابع بإعجاب لحركتها في الحياة، واهتمامها به وحنانها عليه.
ثم قصة الأم التي رحلت فجأة دون مقدمات، ومن لحظات قليلة كان يشاركها في عمل الملوخية، وهو طفلها الأول، وكانت امتحانات الشهادة الإعدادية على الأبواب، والأمهات ينتظرن فلذات أكبادهن في فترة الاستراحة بين المادتين، يوفرن لهم ما يقويهم ويعينهم استعدادًا للفترة الثانية. شعر الصغير بغصة ومرارة، وهو وحيد، بيده ساندويتش اشتراه من مقصف المدرسة، ثم وضعه في سلة المهملات حزينًا باكيًا. وعند عودته إلى الفصل، وجد والده الذي احتضنه. وينهي الكاتب: كان نور العين، وحبيب القلب، وصديق العمر، حبيبي والدي، وبيده ساندويتش وحاجة ساقعة.
 وفي قصة ( سندوتش وحاجة ساقعة ) ضمن المجموعة القصصية المعنونة بـ” نظرة وداع”، نتابع دور الأب الوفي الذي فقد زوجته وهو في عنفوان شبابه، ولكنه آثر أن يهب بقية العمر لأبنائه، فكان لهم الأم الحانية والأب الراعي المعطاء، فأهدى للوطن رجالًا أوفياء.
فإذا كان “صوت من الماضي” هو صوت الجدة، أو صوت الأم، أو صوت هذا الأب، أو صوت الحبيبة، فقد جمعهم عامل مشترك واحد، وهو ما يميز شخصية الكاتب أو البطل: الوفاء لمن أحب، الوفاء لمن يحب. فهو شخصية معطاءة، ولن أُبالغ إذا قلت إن له أيادٍ بيضاء، قدّمت الكثير من الشخصيات الفاعلة على الساحة الأدبية، وما زال.
وإذا ما وجد جفاءً أو نكرانًا، انصرف صامتًا غير آسف، ليمتد عطاؤه للآخرين. ومما يؤكد ذلك، هذا الإهداء في الصفحة الأولى من قصة “نداء من الماضي”
يقول : إلى من زرعت أملاً في قلب يكاد يتوقف عن النبض، إلى هدية السماء التي أعادت الروح إلى الحياة.”
ويمتد الانطباع عن الجانب الإنساني في شخصية الكاتب، فبقراءة الغلاف نجد رجلًا وقد كسا رأسه الشيب، تقدم به العمر وانحنى، ولكن نظرات الحب والمشاعر ما زالت شابةً نابضةً بالحياة. كُتب العنوان باللون الأحمر، لون الزهرة الدال على الزمن بنوعها ولونها، ورموز الخط التي تستقيم أحيانًا ولا تستقيم أحيانًا أخرى، للدلالة على الألم وصدق المعاناة، وأثرهما الواضح في حياة البطل، فمهما طال العمر وتبدلت الأحوال، فهو مكبل بنداء الماضي.
ويؤكد ذلك أيضاً فقرة في نهاية القصة، صفحة 10:
“سأل الطبيب: لماذا لم تردّ عليها؟ لقد ظلّت تحادثك كثيرًا وتبكي بحرقة.
فجاء رد البطل: لو رددت عليها، لذهبت. لذهبت وذهب معها صوت الماضي، وأنا أريدها أن تأتي مرة أخرى. واثق أنها ستفعل.
تبسم الطبيب قائلًا: لقد تعافيت ولم تعد مريضًا.
صوت الماضي تغلب على الزهايمر، “فمهما فعل المرض بالعقل، فإنه لن يستطيع أن يهزم القلب. “
وهذه حكمة ساقتها خبرة الكاتب وتجربته الصادقة، وهكذا نجد مبدأ الصدق هو السمة المميزة في كتابات حسام أبو العلا. وهذا المبدأ، كما أعلنه أفلاطون، هو أساس كل عمل جيد وخالد في الأدب، حيث الإخلاص التام من الكاتب لنفسه وتجربته في الحياة، سواء أكان محيط تجربته كبيرًا أو صغيرًا، فإنه يكتب ما تقوده إليه نفسه، ويصف ما عاشه وعايشه، وما فكر فيه بصدق وأمانة، وهذا هو الإبداع الحقيقي كما قدمه لنا حسام أبو العلا.
فهذه رؤيتي الانطباعية من خلال متابعتي لإصدارات الصحفي والأديب حسام أبو العلا، فكتاباته لها مذاق خاص، فهي سلسة، رقيقة، ناعمة، جاذبة، بطعم النعناع البلدي.
رغم بساطته، يعشقه الجميع، كبارًا وصغارًا، غنيًّا وفقيرًا، المريض والعفي.
يحمل دفء الأرض وعراقة المنبت وأصالته، ومهما يغيب نشتاق إليه، فلا غنى عنه كي تهدأ نفوسنا وتطيب قلوبنا.

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى