مقالات

مروان العياصرة يكتب..  مئوية الأردن، المشروع الوطني أولا .. التأسيس تاليا

منذ عام 1921، وهو تاريخ الإمارة، التي شكلت أول جذر التأسيس للدولة الأردنية،  وحتى اليوم، يبقى هذا الحدث حاضرا ومستمرا في ذاكرة ووجدان الأردنيين، لم يتحول هذا الحدث إلى حكاية، مجرد حكاية تتناقلها ألسن الناس والحكّائين، ورواة القصص وكتبة التاريخ، بل تحول إلى دولة على شكل إمارة بحمولة كبيرة وفائقة الثقل من الطموح الوطني المتنامي، في وقت كان أقل توصيف له أنه حرج وصعب ومفخخ بالأعباء، بدءا من عبء اللحظة التاريخية المشغولة بالأطماع الاستعمارية، وليس انتهاءً بعبء الجغرافيا.

تفاصيل تاريخ التأسيس وظروفه وبيئته ومعطياته كثيرة لا تتسع للشرح والإسهاب، وما يمكن لقارئ وباحث ومطلع أن يتوقع حدوثه، حدث بالفعل من أجل ولادة هذه الإمارة، ولاحقا هذه المملكة أي  بعد خمسة وعشرين عاما.

ما قبل التأسيس لم يكن هنالك مشروع دولة، إلى أن جاء الأمير – آنذاك – عبد الله الأول ابن الشريف الحسين بن علي، لكنه من المهم الإشارة إليه أن المشروع الوطني الأردني كان سابقا للحظة التأسيس التاريخية، وذلك حين تخلَّق لدى الأردنيين الوعي بضرورة إنشاء الدولة وانطلاق المشروع من خلال العشائر التي تنتسب إلى هذه الجغرافيا والتي بدأت عمليا بتنظيم أنفسها  وتكوين حكومات محلية لإدارة شؤونهم، متزامنا ذلك مع وصول الأمير عبد الله المؤسس إلى معان الذي عزز وقوى وثبت ذلك حين استطاع استثناء شرق الأردن من الانتداب البريطاني ومن وعد بلفور.

ثمة لحظات تاريخية لا تُنسى في ورق التاريخ، ولا تنمحي من ذاكرة الناس والأجيال، التأسيس مثالا، وأيضا اللحظة التي استعاد فيها الأردن الباقورة والغمر التي احتلها الكيان الإسرائيلي عام 1950، كان هذا قرارا تاريخيا لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، وتكمن رمزية هذا الحدث وقوة حضوره في تاريخ الدولة الأردنية، بأنه تعبير عن قوة الدولة الأردنية في التعامل مع ملفات السيادة.

بقيت الدولة تنمو وتتطور عبر أربعة ممالك لأربعة ملوك هاشميين، تسلموا راية الدولة ومسؤولية الحكم، ولأن عهد جلالة الملك عبد الله الثاني هو تتويج لتلك المراحل التاريخية لتطور الدولة، فقد تسلم من أبيه المغفور له جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه، دولة حديثة بمستويات نهوض متقدمة في السياسة والوسطية والاعتدال والحرية. وحرص جلالة الملك عبد الله الثاني على تعزيز هذا النهج بتكريس مصطلح دولة المؤسسات بعدالة ومساواة وانفتاح. 

وعبر مائة عام كان الأردن مقصدا للاجئين من 50 دولة في العالم، فهو يحتضن ثاني أكبر نسبة في العالم من اللاجئين مقارنةً مع عدد المواطنين بعد لبنان، وخامس أكبر عدد من اللاجئين من حيث القيمة المطلقة، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهذا تحدي وثقل سياسي واقتصادي باهض التكاليف المادية والمعنوية على دولة بحجم الأردن وبقدراتها الاقتصادية المتواضعة.

لكن المهم الإشارة إليه أنه نتيجة لظروف المرحلة وتبعات الأحداث على المستوى الدولي والإقليمي، والتحديات التي يتعاطى معها بموضوعية ومسؤولية ومنها تحدي اللاجئين، فقد نجح الأردن على المستوى السياسي في بناء حالة مستقرة وثابتة وقوية سياسيا، إلا أنه على المستوى الاقتصادي، يعاني من عبء الجغرافيا الشحيحة بالموارد الطبيعية وحتى بالمياه، ويعاني أيضا من عبء الخطط الفاشلة للحكومات المتعددة في تقليص المديونية وتحقيق مستوى مقبول من الرفاه الاجتماعي.

إن قدرة إدارة الدولة لدى جلالة الملك عبد الله الثاني تتمثل في صور شتى، أهمها الحضور القوي للأردن في المشهد الدولي، وخروج الأردن من أزمات المنطقة دون أن يخسر كلف أو تكاليف اجتماعية أو سياسية، وهي حالة ثبات واستقرار سياسي للدولة، وأيضا حماية منجز الدولة الأردنية في التعليم والصحة ومثاليتها ونموذجيتها في ذلك، إلا أن حالة مؤسفة من التراجع ظاهرة وعيانية، تضع الإصبع على جرح مازال قابلا للتوسع جراء حالة الفشل في خطط وبرامج التنمية للحكومات المتعاقبة التي ساهمت جميعها في حجم مديونية كبير وضاغط وخطير.

ينظر الأردنيون إلى مئوية الدولة الأردنية على قاعدة الأمور بخواتيمها، ففي نهاية المئوية الأولى وبداية المئوية الثانية يعاني الأردنيين من تراجع خطير في اقتصاديات الدولة وضغط كبير على عيشهم ومعاشهم ومعاناة قصوى من فساد لم يكن كافيا لكبح جماحه تأسيس هيئة مكافحة الفساد.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى